الجاسوسات
أهَلَنْ يأإ عَسَلْلْ نَوَرِتِيِ ..

يَأإعَسَلْلْ إذأإ كنِتِيِ زأإئِرَهْه~ سَجِيِلِيِ بَألْمُنَتَدَىْ وَشَأإرِكِيْ مَعَنأإ وَكُؤنِيْيْ مِننْ أسَرَتَنأإ ..

وَإنْنْ كُنْتِييْ عُضَوَهْهْ أسِرِعِيْ بِـ تَسَجِيِلْلْ ألْدَخُوُلْلْ وَشَأإرِكِيْ معَنأإ ..

وَنَتَمَنَىْ لَكُمْمْ ألْتَوَفِيِقْ <3

تَحِيَأإتْ ألْإدأإرَههْ ..
الجاسوسات
أهَلَنْ يأإ عَسَلْلْ نَوَرِتِيِ ..

يَأإعَسَلْلْ إذأإ كنِتِيِ زأإئِرَهْه~ سَجِيِلِيِ بَألْمُنَتَدَىْ وَشَأإرِكِيْ مَعَنأإ وَكُؤنِيْيْ مِننْ أسَرَتَنأإ ..

وَإنْنْ كُنْتِييْ عُضَوَهْهْ أسِرِعِيْ بِـ تَسَجِيِلْلْ ألْدَخُوُلْلْ وَشَأإرِكِيْ معَنأإ ..

وَنَتَمَنَىْ لَكُمْمْ ألْتَوَفِيِقْ <3

تَحِيَأإتْ ألْإدأإرَههْ ..
الجاسوسات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الجاسوسات

منتدى للبنات فقط
 
الرئيسيةبوابة الجاسوساتأحدث الصورالتسجيلدخول



أضغطو هنـآ لمصلحة المنتدى بنات

 

 قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام

اذهب الى الأسفل 
4 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
كريمة
****~جاسوسة ولا أروووعع~****
كريمة


قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام 1344638739631
قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام 1344794132161
انثى
. . : 16812
. . : 29
البلد : في البيت
. . : 16
. . : 37129

بطاقة الشخصية
وسام التميز: 1

قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام Empty
مُساهمةموضوع: قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام   قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام Emptyالسبت نوفمبر 26, 2011 12:56 pm

قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام

سيدنا عيسى بن مريم هو آخر رسل بني إسرائيل عليهم السلام جميعاً، وقد ذكره
الله في عداد مجموعة الرسل الذين قصّ علينا قصصهم. قال تعالى: {وَإِذْ
قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ
اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ
وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا
جَاءهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} [الصف: 6].

الكلام في اسمه ولقبه وصفته:
اسمه في القرآن الكريم: عيسى. ولقبه المسيح. وكنيته: ابن مريم. وصفته: عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه.

واسمه بالعبرية يسوع (يشوع) أي: المخلِّص، إشارة إلى أنه عليه السلام سبب لتخليص كثيرين من ضلالاتهم.

نسبه عليه السلام:
هو عيسى ابن مريم بنت عمران، ويتصل نسب عمران بداود عليه السلام، فعيسى عليه السلام من سبط (يهوذا). والله أعلم.



حياة سيدنا عيسى عليه السلام في فقرات:
)أ) أبرز ما تعرض له المؤرخون من حياة عيسى عليه السلام ما يلي:

-1 سبق أن ذكرنا عند الكلام على زكريا ويحيى عليهما السلام، ما يتعلق
بولادة أمه مريم بنت عمران، وكفالة زكريا لها، وكيف نشأت مريم في طهر وعفاف
في بيت المقدس، وكيف جاءها الملك جبريل عليه السلام حينما بلغت مبلغ
النساء، ونفخ في جيبها وبشرها بعيسى نبياً ورسولاً.

قالوا: وقد كان عمرها نحواً من (13) سنة. والله أعلم.

قال الله تعالى: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ
فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ
رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنْ الْقَانِتِينَ} [التحريم: 12].

-2 قالوا: ولما أحست مريم بالحمل خشيت اتهام قومها لها بالزنى، فوافقت على
خِطبة يوسف النجار لها، وقد كان هذا الرجل باراً صالحاً، من بيت داود من
أبناء عمّها، متَّقياً لله تعالى، يتقرب إليه بالصيام والصلاة، ويرتزق من
عمل يديه في النجارة.

ثم إن مريم عليها السلام كاشفت يوسف خطيبها بما جرى لها، وبحملها بعد بشارة
جبريل دون أن يمسَّها بَشَرٌ، فعزم هذا الرجل أن يترك خطبتها شكاً بأمرها،
وبينما هو نائم إذا بملاك الله يوبخه قائلاً: لماذا عزمت على إبعاد
امرأتك؟!

اعلم أن ما كُوِّن فيها إنما كُوِّن بمشيئة الله، وستلد العذراء ابناً،
وستدعونه يسوع، تمنع عنه الخمر والسكر وكل لحم نجس، لأنه قدوس الله من رحم
أمه، وأنه نبيٌّ من الله، أُرسل إلى شعب إسرائيل ليحوّل يهوذا إلى قلبه،
ويسلك إسرائيل في شريعة الرب كما هو مكتوب في ناموس موسى، وسيجيء بقوة
عظيمة يمنحها له الله، وسيأتي بآيات عظيمة تفضي إلى خلاص كثيرين.

قالوا: فلما استيقظ يوسف من النوم شكر الله، وأقام مع مريم كل حياته خادماً لله بكل إخلاص. والله أعلم

-3 قالوا: وكان هيرودس في ذلك الوقت ملكاً على بني إسرائيل بأمر قيصر
(أوغسطس)؛ فأمر هيرودس حكام البلاد وعماله فيها أن يسجلوا جميع أفراد
الرعية الداخلين في مملكته؛ وذلك بناء على أمر قيصري ورد إليه من قيصر
أوغسطس.

فذهب إذ ذاك كل إلى وطنه، وقدموا أنفسهم بحسب أسباطهم ليكتتبوا، وسافرت
مريم عليها السلام - وهي حبلى ومعها يوسف النجار - من الناصرة إلى بيت لحم
إحدى مدن الجليل - لأنها كانت مدينتها - وذلك ليكتتبا عملاً بأمر قيصر.

ولما بلغا بيت لحم لم يجدا فيها مأوى، إذ كانت المدينة صغيرة، وجماهير الغرباء كثيرة، فنزلا خارج المدينة في مكان متخذ مأوى للرعاة.

-4 وفي هذه الأثناء، أتمت مريم أيام حملها وهي في بيت لحم، فأجاءها -ألجأها- المخاض إلى جذع نخلة قيل: يابسة، وقيل غير ذلك.

وتجسم في نفسها ما ستلاقيه من اتهام قومها: {قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا} [مريم: 23].

{فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا} - وليدُها عيسى، أو المَلَك الذي رعى
ولادتها-: {أَلا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا} [مريم:
24].

{وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا
جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنْ
الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ
أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا} [مريم: 25-26].

وضعت مريم العذراء البتول طفلها، وهزت جذع النخلة فتساقط عليها من الجذع
الرُّطَب الجنيُّ -الناضج-، فأكلت من الرطب، وشربت من النهر الذي أجراه
الله لها في مكان لا نهر فيه، وكان كل ذلك إكراماً من الله لها، وتتابعت
خوارق العادات التي رافقت حياتها رضي الله عنها، وحياة ابنها عبد الله
ورسوله صلى الله عليه وسلم.

قالوا: ولم تجد مريم مكاناً تضع فيه وليدها في المكان الذي نزلت فيه -
المتخذ مأوى للرعاة - غير مذود للماشية "معتلف للداوب"، فوضعته فيه، وكان
ذلك سرير طفولته عند الوضع عليه السلام.

قالوا: وكان ميلاد عيسى عليه السلام يوم الثلاثاء (24) من كانون الأول.

-5 حملت مريم وليدها الصغير، وأتت به إلى قومها تحمله، وجرى بينها وبين قومها ما قصه علينا القرآن المجيد -:

{فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا} [مريم: 27].

أي: جئت شيئاً بدعاً من الإِثم. أو جئت شيئاً عجيباً من أحداث الدهر.

{يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} [مريم: 28].

وأخذوا - على فسقهم وضلالاتهم الخاصة - يقولون عن مريم بهتاناً عظيماً.

{فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ}، لائذة بالصمت، ناذرة للرحمن صوماً عن الكلام،
أشارت إلى طفلها الصغير، ليجيبهم عنها ويبرئ ساحتها مما اتهموها به.

{قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا}! [مريم: 29].

فإذا بالصبي الصغير - المسيح عيسى عليه السلام - يُنطِقه الله، ليثبت براءة
أمه، ويعلن عن نبوته الآتية، ورسالته المقبلة، ويدلُّهم على أن مَنْ خَرق
العادة فأنطقه في طفولته، قادر على أن يخرق العادة فيخلقه في رحم أمّه دون
أن يمسها بشر.

{قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا *
وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ
وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ
يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ
وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا } [مريم: 30-33].

وكان عيسى بن مريم وأمُّه آية من آيات الله للعالمين.

-6 قالوا: ولمَّا بلغ الطفل من العمر ثمانية أيام، حملته أمه مريم إلى
الهيكل فخُتِن، وسمَّته عيسى (يسوع) كما أمرها جبريل حين بشرها به.

والختان من سنن الفطرة، وشريعة إبراهيم عليه السلام، كما أنه من شريعة سائر الأنبياء والمرسلين من بعد إبراهيم عليه السلام.

-7 ونشأ عيسى عليه السلام في كنف أمه بعيدَيْن عن بيت لحم، في ربوة -بلدة مرتفعة- ذات استقرار وأمن، وماء معين.

قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً
وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} [المؤمنون: 50].


الربوة: المكان المرتفع. ذات قرار: ذات استقرار وأمن. معين: ماء طاهر صاف.

أما المراد من الربوة التي أشار إليها القرآن الكريم، فقد ذكر المفسرون فيه أربعة أقوال:

القول الأول: أن المراد بالربوة دمشق. وهذا القول مروي عن ابن عباس والحسن. كما رواه ابن عساكر وغيره.

القول الثاني: أن المراد بها الرملة من فلسطين.

القول الثالث: أن المراد بها بيت المقدس.

القول الرابع: أن المراد بها مصر.

وهذا القول يوافق ما جاء في إنجيل "متى" وإنجيل "برنابا" في قصة أورداها
تتلخص: بأن هيرودس أمر بقتل كل طفل في بيت لحم، فأُمر يوسف النجار في منامه
بأن يذهب بالطفل وأمه إلى مصر، فذهب بهما إليها، وأقاموا بها إلى أن هلك
هيرودس، ولما هلك هذا الحاكم أُمر يوسف النجار في منامه أن يعود بالطفل
وأمه إلى بلادهما، لأن اللذين كانوا يطلبون قتله قد هلكوا، فرجع بهما.

وكان عيسى حينئذٍ قد بلغ من العمر سبع سنين، وجاء بهما إلى اليهودية حيث
سمع أن أرخيلاوس بن هيرودس هو الذي صار حاكماً في اليهودية، فذهب إلى
الجليل لأنه خاف أن يبقى في اليهودية، وكانت إقامتهم في الناصرة، ونما في
النعمة والحكمة أمام الله والناس. وإلى الناصرة ينسب النصارى.

-8 قالوا: ولمَّا بلغ عيسى عليه السلام اثنتي عشرة سنة من العمر، صعد مع
أمه مريم وابن عمها يوسف النجار إلى أورشليم (بيت المقدس)، ليسجد هناك حسب
شريعة الرب المكتوبة في كتاب موسى عليه السلام، ولما تمت صلواته تفقدوه فلم
يجدوه، فانصرفوا إلى محل إقامتهم، ظانين أنه عاد مع أقربائهم، ولما وصلوا
عائدين لم يجدوه، أيضاً، فرجعت أمه مع ابن عمها يوسف النجار إلى (أورشليم)
ينشدانه بين الأقرباء والجيران، فلم يجدوه، وفي اليوم الثالث وجدوا الصبي
عيسى في الهيكل وسط العلماء يحاجُّهم في أمر الناموس، وقد أُعجب كل الناس
بأسئلته وأجوبته، وقالوا: كيف أُوتي مثل هذا العلم وهو حَدَث ولم يتعلم
القراءة؟!

فلما رأته أمه مريم عنَّفته قائلة: يا بني ماذا فعلت بنا؟ فأجابها: "أَلاَ
تعلمين أن خدمة الله يجب أن تقدم على الأم والأب"!! ثم نزل عيسى مع أمه
وابن عمها يوسف النجار إلى الناصرة، قائماً بواجب البر والطاعة.

ويسكت التاريخ عما وراء هذه المرحلة من حياة عيسى عليه السلام، حتى بدأت نبوته ورسالته.

-9 قالوا: ولما بلغ المسيح عيسى عليه السلام من العمر ثلاثين عاماً، جاء
إلى يحيى بن زكريا عليهما السلام، واعتمد منه في الأردن، ثم نزل عليه روح
القدس -جبريل عليه السلام- مثل حمامةٍ، ثم إنه بعد ذلك خرج إلى البرية،
وصام فيها أربعين يوماً لا يأكل ولا يشرب.

قالوا: ولمّا علم المسيح عيسى عليه السلام بمقتل يحيى عليه السلام، جاء إلى
الجليل وترك الناصرة، وسكن كفر ناحوم، وكان يعظ ببشارة ملكوت الله.

ونزل عليه الوحي بكتاب الله الإِنجيل، وبأحكام من الشريعة. قال الله تعالى:
{وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا
بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى
وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَهُدًى
وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} [المائدة: 46].

ومنذ ذلك الحين بدأت رسالة عيسى عليه السلام، وكان قد بلغ من العمر ثلاثين عاماً.

-10 وسار المسيح عليه السلام يدعو إلى الله بمثل دعوة الرسل، في مجتمع
يهودي كثر فيه اليهود الخارجين عن دين الله وهم يزعمون أنهم على شريعة
موسى، فيه انحرافات كثيرة عن الشريعة الربانية التي أنزلها الله على موسى،
وأكدها الأنبياء والرسل الذين تتابعوا بعده من بني إسرائيل، كما دخلت إلى
شريعتهم تحريفات كثيرة مسّت أصولها ونصوصها، وشروحها وأحكامها.

وأهاب عيسى ببني إسرائيل أن يرجعوا إلى دين الله ويخلصوا له في العبادة،
ويصححوا ما دخل إلى شريعتهم من تحريفٍ وتبديل، وقام يبلغهم أوامر الله
ونواهيه كما كلفه الله، ويبلغهم ما أُنزل عليه من أحكامٍ تشريعيةٍ جديدةٍ،
ومنها تحليل بعض ما كان محرماً عليهم في شريعة الله التي أنزلها على موسى
عليه السلام والرسل من بعده، من الأحكام التي عقوبة أنزلت بسبب ظلمهم. قال
الله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ
طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا *
وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ
النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا
أَلِيمًا} [النساء: 160-161].

وقال الله تعالى: {وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ التَّوْرَاةِ
وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ
مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ رَبِّي
وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [آل عمران: 50-51].

وأجرى الله على يد عيسى بن مريم المعجزات الباهرات تصديقاً لنبوته، وتأييداً لرسالته، كما سبق في مبحث معجزاته صلوات الله عليه.

واصطدم عيسى عليه السلام في دعوته بجدال (الصدوقيين)، وكانوا فرقة من
اليهود تنكر اليوم الآخر وما فيه من حساب وجزاء، فأفحمهم بالحجة.

كما اصطدم عليه السلام بجدال الرؤساء الدينيين اليهود، المنحرفين في
مفاهيمهم الدينية عن أصول الشريعة الربانية، وفي تطبيقاتهم العملية عن
السلوك السوي، وهم يرتدون في مظاهرهم مسوح الرِّياء. فحاجّ عليه السلام
الفريسيين "وهم المنقطعون للعبادة"، والكتبة "وهم الوعّاظ وكتّاب الشريعة
لمن يطلبها، "والكهنة" وهم خدمة الهيكل، وكانت حججه عليه السلام دامغة لهم،
وكانت حججهم داحضة.

-11 وصدّق عيسى عليه السلام طائفةٌ من بني إسرائيل، وكذّبه الأكثرون، وكان
مِن ضمن مَنْ صدَّقه ولازمه: الحواريُّون (وهم أصحابه وتلاميذه المرافقون
له)، وكانوا اثني عشر رجلاً، وهم:

-1 أندراوس 2- بطرس الصياد (سمعان) 3- متى العشار 4- يوحنا بن زبدي 5-
يعقوب بن زبدي 6- يهوذا 7- برثولماوس 8- فيلبس 9- يعقوب بن حلفي10- يهوذا
الأسخريوطي.

وأما الحادي عشر فقد أوردهما (برنابا) كما يلي: برنابا و "تداوس".

لكن (متى) أوردهما كما يلي: "توما" و "سمعان الغيور المعروف بالقانوني".
والكنيسة على هذا الرأي الثاني، ويظهر أن اسمي "برنابا" و "تداوس" قد حُذفا
من الحواريين الاثني عشر، لمخالفة ما عندهما لما اتفقت عليه المجامع
الكنيسة مؤخراً. والله أعلم.

ولبث عيسى عليه السلام يجاهر بدعوته، ويجادل المنحرفين من كهنة وكتبة
وفريسيين، ويدلهم على الله، ويأمرهم بالاستقامة، ويبين فساد طريقتهم، ويفضح
رياءهم وخبثهم، حتى ضاقوا به ذرعاً.

فاجتمع عظماء اليهود وأحبارهم فقالوا: إنَّا نخاف أن يفسد علينا ديننا،
ويتبعه الناس، فقال لهم قيافا - رئيس الكهنة -: لأَنْ يموت رجل واحد خير من
أن يذهب الشعب بأسره، فأجمعوا على قتله، فَسَعَوا به لدى الحاكم الروماني،
وزينوا له شكواهم منه، وربما صوّروا له دعوة عيسى الدينية بصورةٍ سياسيةٍ
تريد تقويض الحكم القائم! وزعموا له أن عيسى يسعى لأن يكون ملكاً على
اليهود، وينادي بذلك! وما زالوا بالحاكم حتى حملوه على أن يقرر أن يتخلص من
عيسى عليه السلام بقتله وصلبه، على طريقتهم التي كانوا يفعلونها فيمن
يحكمون عليه بالقتل!!

وعلم عيسى عليه السلام بمكر القوم به، وعزم الحاكم على قتله، فاختفى عن
أعين الرقباء، حتى لا يعرف مكان وجوده أعوان الحاكم فيقبضوا عليه، ولا
أعداؤه من اليهود فيدلوا عليه.

-12 قالوا: ودخل المسيح إلى أورشليم على حمار، وتلقاه أصحابه بقلوب النخل،
فقال المسيح لأصحابه: إن بعضكم ممن يأكل ويشرب معي يسلمني.

ثم جعل يوصي أصحابه ويقول لهم: قد بلغت الساعة التي يتحول ابن البشر إلى
أبيه، وأنا أذهب إلى حيث لا يمكنكم أن تجيئووا معي، فاحفظوا وصيتي:
فسيأتيكم الفارقليط يكون معكم نبيّاً، فإذا أتاكم الفارقليط بروح الحق
والصدق، فهو الذي يشهد علي، وإنما كلمتكم بهذا كيما تذكروه إذا أتى حينه،
فإني قد قلته لكم. فأما أنا فإني ذاهب إلى من أرسلني. فإذا ما أتى روح
الحق، يهديكم إلى الحق كلِّه، وينبئكم بالأمور البعيدة، ويمدحني، وعن قليل
لا ترونني! ثم رَفع المسيح عينه إلى السماء وقال: حضرت الساعة، إني قد
مجدَّتك في الأرض، والعمل الذي أمرتني أن أعمله فقد تممته).

ثم مضى المسيح مع تلاميذه إلى المكان الذي يجتمع به وأصحابه فيه، وكان
"يهوذا بن سمعان الأسخريوطي" - أحد الحواريين - يعرف ذلك الموضع، فلمَّا
رأى الشُرَط يطلبون المسيح دلَّهم على مكانه مقابل دريهماتٍ معدوداتٍ
جعلوها له - قالوا: وكانت ثلاثين درهما -، فلما دخلوا المكان الذي فيه
المسيح، ألقى الله شبهه على مَنْ دَلَّهم على مكانه من الحواريين وهو
"يهوذا الأسخريوطي"، فاحتملوا الشبه وصلبوه وقتلوه وهم يظنون عيسى عليه
السلام، ورفع الله سيدنا عيسى إليه!!



وكان عمر عيسى حين رفعه الله إليه (33) سنة، فمدة دعوته كانت ثلاث سنين.

قالوا: ثم أنزله الله بعد رفعه بنحو ثلاثة أيام، ليبين للحواريين أنه رفع
إلى السماء ولم يقتل ولم يصلب وإنما شُبِّه لهم، وليأمرهم بتبليغ رسالته في
النواحي والأقطار.

فاجمتع بأمِّه وخفَّف أحزانها، وبين لها حقيقة الأمر.

ثم اجتمع بالحواريين وبيَّن لهم أن الله رفعه إلى السماء، وأمرهم أن
ينتشروا في الأقطار يدعون إلى الله ويبلغون الرسالة التي تلقوها عنه عليه
السلام. فاستجابوا لأمره، وذهب كل واحد منهم إلى جهة، وظلوا يدعون إلى الله
سراً، وانتشرت الديانة المسيحية عن طريق الدعوة السِّرية، حتى هيأ الله
لأتباعها أن يعلنوا دينهم بعد نحو ثلاثة قرون من رفع عيسى عليه السلام.

)ب) وقد جاء في القرآن المجيد عرض لقطات مهمّات من قصة عيسى عليه السلام في اثنتي عشرة سورة:

وأبرز ما جاء فيها ما يلي:

-1 بيان ظاهرة ولادته من أمّ دون أبٍ بخارقة عجيبة من خوارق العادات،
رافقتها كرامات لمريم أمّه، وأنّه قد تمّ علُوقه في رحم أمّه بنفخة الملك
وهو جبريل عليه السلام.

-2 بيان أنّ هذه الظاهرة العجيبة حدثٌ هينّ بالنسبة إلى قدرة الرّب الخالق،
وذلك لا يُخرِج عيسى عليه السلام عن كونه عبداً لله، ومخلوقاً من
مخلوقاته، وأنَّ مثله كمثل آدم الذي خلقه الله من تراب، دون أب ولا أمّ.

-3 بيان تكلّمه وهو في المهد طفل رضيع، فبرّأ أمه، وأبان أنّه بَرٌّ بها،
وأنبأ بأنّ الله عزّ وجل جعله نبيّاً، وأوصاه بالصلاة والزكاة ما دام
حيّاً، ولم يجعله جبَّاراً شقيّاً.

-4 بيان أنه عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم أمه، وروحٌ منه، وأنّ
الله أوحى إليه، وبعثه رسولاً مصدّقاً لما بين يديه من التوراة، ومبشّراً
برسول يأتي من بعده اسمه: أحمد.

-5 بيان أنّه دعا بني إسرائيل إلى الإِيمان به، وبما جاء من عند ربّه، وأنّ
الله عزّ وجلّ قد آتاه كتاباً خاصّاً هو "الإِنجيل"، وأنّ ممّا جاء به أن
يُحلّ لبني إسرائيل بعض الذي حُرّم عليهم.

-6 بيان أنّ الله قد آتاه من الآيات الخوارق المعجزات ما يلي:

إحياء الموتى بإذن الله.

إبراء الأكمه والأبرص بإذن الله.

أن يصوّر من الطين كهيئة الطير، فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله.

أن ينبئهم بما يأكلون وما يدّخرون في بيوتهم تنبُّؤاً غيْبيّاً.


-7 بيان أن الله عزّ وجلّ أيّده بروح القدس، وعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإِنجيل.

-8 بيان استجابة فريق من بني إسرائيل لدعوته، وكان له فيهم حواريّون نوّه الله بشأنهم.

-9 بيان مكيدة اليهود بشأن محاولاتهم التحريض على قتله، ثمّ تفاخرهم بأنهم
قتلوه، مع بيان أنّ الله نجّاه ورفعه إليه، وأنّهم ما قتلوه وما صلبوه ولكن
شُبِّه لهم.

-10 بيان طلب الحواريين منه أن ينزّل الله عليهم مائدة من السماء، ثم دعاء عيسى ربّه أن يستجيب لطلبهم.

-11 بيان أنه أمارة من أمارات الساعة، إشارةً إلى نزوله من السماء إلى الأرض وقت ظهور أشراط الساعة الكبرى.

-12 بيان سؤال الله له بعد رفعه: أأنت قلت للناس اتخذوني وأمِّي إلهين من
دون الله، وتبرُّؤُه عليه السلام من ذلك، وقوله لربّه: إنْ كنتُ قلتُه فقد
علمتَهُ تعلم ما في نفسي، ولا أعلم ما في نفسك.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.gmiley.com/
النجمة اللامعة
• جأإسوسههْ نشيطههْ •
• جأإسوسههْ نشيطههْ •
النجمة اللامعة


قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام 1344638739631
قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام 1344794132161
انثى
. . : 60
. . : 26
البلد : طالبة
. . : 1
. . : 14170

بطاقة الشخصية
وسام التميز: 1

قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام   قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام Emptyالسبت نوفمبر 26, 2011 1:36 pm

جزاكي الله الف خير والله لا يحرمنا منك وبأنتظار جديدك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://haalsa.yoo7.com/
كريمة
****~جاسوسة ولا أروووعع~****
كريمة


قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام 1344638739631
قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام 1344794132161
انثى
. . : 16812
. . : 29
البلد : في البيت
. . : 16
. . : 37129

بطاقة الشخصية
وسام التميز: 1

قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام   قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام Emptyالسبت نوفمبر 26, 2011 2:21 pm

شكرا على المرور ايتها النجمة اللامعة منورة بطلتك يا قمر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.gmiley.com/
بنت كيوت خدودها توت
• جأإسوسههْ ذهبيههْ •
• جأإسوسههْ ذهبيههْ •
بنت كيوت خدودها توت


قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام 1344638739631
قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام 1344794132161
انثى
. . : 546
. . : 29
البلد : طالبة
. . : 0
. . : 15401

بطاقة الشخصية
وسام التميز: 1

قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام   قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام Emptyالثلاثاء ديسمبر 27, 2011 2:21 pm

مشكورررررررررررررة
بارك الله فيكي
جعلها الله في ميزان حسناتك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
احلا توتي
•جأإسوسههْ جديدههْ •
•جأإسوسههْ جديدههْ •
احلا توتي


قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام 1344638739631
قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام 1344794132161
انثى
. . : 18
. . : 21
البلد : رقص باليه
. . : 1
. . : 14005

بطاقة الشخصية
وسام التميز: 1

قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام Empty
مُساهمةموضوع: 500   قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام Emptyالأحد يناير 08, 2012 11:07 pm

قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم (1)
الدكتور عثمان قدري مكانسي

القصة الأولى :
إنك تنظر أحياناً إلى الحيوان في حدائقه التي أنشأها الإنسان له لتتمتع وتتعرف عليه عن كثب فتجد بعضه ينظر إليك بعينين فيهما تعبيرات كثيرة عن أحاسيس يشعر بها ، فتتجاوب معه ، ويتقدم إليك بغريزته ، ويُصدر بعض الحركات ، فيها معان تكاد تنطق مترجمة ما بنفسه ... هذا في الأحوال العادية ... فكيف إذا كانت معجزات أرادها الله سبحانه وتعالى تهز قلوب الناس وعقولهم وأحاسيسهم ؟
ألم يسمع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم تسبيح الحصا في يده الشريفة ؟ ألم يسمعوا أنين جذع الشجرة ، ويرَوا ميله إليه عليه الصلاة والسلام حين أنشأ المسلمون له منبراً يخطب عليه ؟
وقد كان يستند إلى الجذع وهو يخطب فعاد إليه ، ومسح عليه ، وقال له : ألا ترضى أن تكون من أشجار الجنة ؟ فسكت ..
إذا كان الجماد والطير صافات تسبح وتتكلم ، ولكن لا نفقه تسبيحها أفليس الأقرب إلى المعقول أن يتكلم الحيوان ؟...
اشتكى بعير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ظلمَ صاحبه إياه ، وكلّم الهدهدُ سليمانَ عليه السلام ، وسمع صوت النملة تحذّر جنسها من جيش سليمان العظيم أن يَحْطِمها ، والله سبحانه وتعالى – أولاً وأخيراً- قادر على كل شيء ، والرسول صلى الله عليه وسلم صادق فيما يخبرنا ، ويحدثنا .
في صباح أحد الأيام بعد صلاة الفجر قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه ، ولم يكن فيهم صاحباه العظيمان – الصديقُ أبو بكر والفاروق عمر – رضي الله عنهما ، فلعلهما كانا في سريّة أو تجارة ... فقال :
بينما راع يرعى أغنامه ، ويحوطها برعايته إذْ بذئب يعدو على شاة ، فيمسكها من رقبتها ، ويسوقها أمامه مسرعاً ، فالضعيف من الحيوان طعام القويّ منها – سنة الله في مسير هذه الحياة – وتسرع الشاة إلى حتفها معه دون وعي أو إدراك ، فقد دفعها الخوف والاستسلام إلى متابعته ، وهي لا تدري ما تفعل . ويلحق الراعي بهما – وكان جَلْداً قويّاً – يحمل هراوته يطارد ذلك المعتدي مصمماً على استخلاصها منه ... ويصل إليهما ، يكاد يقصم ظهر الذئب . إلا أن الذئب الذي لم يسعفه الحظ بالابتعاد بفريسته عن سلطان الراعي ، وخاف أن ينقلب صيداً له ترك الشاة وانطلق مبتعداً مقهوراً ، ثم أقعى ونظر إلى الراعي فقال :
ها أنت قد استنقذتها مني ، وسلبتني إياها ، فمن لها يومَ السبُع؟ !! يومَ السبُع ؟!! وما أدراك ما يومُ السبُع ِ؟!! إنه يوم في علم الغيب ، في مستقبل الزمان حيث تقع الفتن ، ويترك الناس أنعامهم ومواشيهم ، يهتمون بأنفسهم ليوم جلل ، ويهملونها ، فتعيث السباع فيها فساداً ، لا يمنعها منها أحد . .. ويكثر الهرج والمرج ، ويستحر القتل في البشر ، وهذا من علائم الساعة .
قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متعجبين من هذه القصة ، ومِن حديث الذئب عن أحداث تقع في آخر الزمان ، ومن فصاحته ، هذا العجب بعيد عن التكذيب ، وحاشاهم أن يُكذّبوا رسولهم !! فهو الصادق المصدوق ، لكنهم فوجئوا بما لم يتوقعوا ، فكان هذا الاستفهام والتعجّبُ وليدَ المفاجأة لأمر غير متوقّع :
إنك يا سيدنا وحبيبنا صادق فيما تخبرنا ، إلا أن الخبر ألجم أفكارنا ، وبهتَنا فكان منا العجب .
فيؤكد رسولً الله صلى الله عليه وسلم حديثَ الذئب قائلاً :
أنا أومن بهذا ... هذا أمر عاديّ ،فالإنسانُ حين يسوق خبراً فقد تأكد منه ، أما حين يكون نبياَ فإن دائرة التصديق تتسع لتشمل المصدر الذي استقى منه الرسول الكريمُ هذه القصة ، إنه الله أصدق القائلين سبحانه جلّ شأنُه .
ويا لجَدَّ الصديق والفاروق ، ويا لَعظمة مكانتهما عند الله ورسوله ، إن الإنسان حين يحتاج إلى من يؤيدُه في دعواه يستشهد بمن حضر الموقعة ، ويعضّد صدقَ خبره بتأييده ومساندته وهو حاضر معه . لكنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن بعِظَم يقين الرجلين العظيمين ، وشدّة تصديق الوزيرين الجليلين أبي بكر وعمر له يُجملهما معه في الإيمان بما يقول ، ولِمَ لا فقد كشف الله لهما الحُجُبَ ، فعمَر الإيمانُ قلبيهما وجوانحهما ، فهما يعيشان في ضياء الحق ونور الإيمان . فكانا نعم الصاحبان ، ونعم الأخوان ، ونعم الصديقان لحبيبهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يريان ما يرى ، ويؤمنان بما يقول عن علم ويقين ، لا عن تقليد واتباع سلبيّ.
فأبو بكر خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، صدّقه حين كذّبه الناسُ ، وواساه بنفسه وماله ، ويدخل الجنة من أي أبوابها شاء دون حساب ، وفضلُه لا يدانيه فضلٌ .
والفاروق وزيره الثاني ، ولو كان بعد الرسول صلى الله عليه وسلم نبيٌّ لكان عمر . أعزّ اللهُ بإسلامه دينه ، ولا يسلك فجاً إلا سلك الشيطان فجّاً غيره .
كانا ملازمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم . وكثيراً ما كان عليه الصلاة والسلام يقول :
ذهبت أنا وأبو بكر وعمر ، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر ، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر .
فطوبى لكما يا سيّديّ ثقةَ رسول الله بكما ، وحبَّه لكما ، حشرنا الله معكما تحت لواء سيد المرسلين وخاتم النبيين .
وأتـْبَعَ الرسولُ الكريمُ صلى الله عليه وسلم قصةَ الراعي والذئب بقصة البقرة وصاحبها ، فقال :
وبينما رجل يسوق بقرة – والبقر للحَلْب والحرْث وخدمة الزرع – امتطى ظهرها كما يفعل بالخيل والبغال والحمير ، فتباطأَتْ في سيرها ، فضربها ، فالتفتَتْ إليه ، فكلّمَتْه ، فقالت: إني لم أُخلقْ للركوب ، إنما خلقني الله للحرث ، ولا يجوز لك أن تستعملني فيما لم أُخلقْ له .
تعجّب الرجل من بيانها وقوّة حجتها ، ونزل عن ظهرها ...
وتعجب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا: سبحان الله ، بقرةٌ تتكلم ؟!
قالوا هذا ولمّا تزل المفاجأة الأولى في نفوسهم ، لم يتخلّصوا منها ... فأكد القصة َ رسول ُ الله صلى الله عليه وسلم حين أعلن أنه يؤمن بما يوحى إليه ، وأن الصدّيق والفاروقَ كليهما – الغائبَين جسماً الحاضرَين روحاً وقلباً وفكراً يؤمنان بذلك .
رضي الله عنكما أيها الطودان الشامخان ، وهنيئاً لكما حبّ ُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لكما وحبُّكما إياه .
اللهمّ إننا نحب رسول الله وأبا بكر وعمر ، فارزقنا صحبة رسول الله وأبي بكر وعمر ، يا رب العالمين ....
البخاري مجلد – 2
جزء – 4
كتاب بدء الخلق ، باب فضائل الصديق وعمر

قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم
القصة الثانية
دكتور عثمان قدري مكانسي

- قال الأب : سمعتك يا بني أمسِ تقول لوالدتك : أنا خير من سعيد ، حفظ الآيات المطلوب حفظها في ثلاثة أيام ، وحفظتها في يوم واحد ، فأنا أكثر ذكاءٍ منه .
- قال الولد : نعم يا أبي ، لقد قلت هذا .. فهل تراني أخطات ، ولم أتعدّ الحقيقة ؟
- قال الأب : وقلتَ مرة : إن والدك مدرّس قدير ، ينظر الناس إليه باحترام وتقدير ، أما خالد فوالده عامل في متجر جدك ... أليس كذلك ؟.
- قال الولد : بلى ، لا أنكر ذلك ..فهل من مأخذ عليّ ؟.
- قال الأب : إن قلتَ هذا من قبيل الفخر بنفسك ، والتعالي على الآخرين قاصداً الحطّ من الناس والترفـّع عليهم فقد أقحمتَ نفسَك في النار – لا سمح الله - دون أن تدري ، فإنّ أحدنا يتلفّظ بالكلمة لا يلقي لها بالاً تقذفه في جهنّم سبعين خريفاً .
- قال الولد : أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ، وأستغفر الله أن أقول ما يغضبه .
- قال الأب : إنّ الإعجاب بالنفس والأهل وكثرة المال وجمال الثياب وبهاء المظهر ، والتفاخر بكثرة العبادة يهلك الإنسان .. والعُجْب يا بنيّ محبط للأعمال ، مبعد عن الجنّة ونعيمها ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبْر ..." ووضح معنى الكبر فقال : " الكبْر بطر الحق ، وغمط الناس " والغمط الاحتقار والازدراء . وقال عليه الصلاة والسلام " ألا أخبركم بأهل النار ؟ كل عُتـُلٍ جوّاظ مستكبر " (والعتل : الفظ الغليظ ، والجواظ : الجَموعُ المنوعُ : وقيل المختال في مشيته .) وكان الأولى بك - يا بنيّ – أن تحمد الله أنْ يسّر لك حفظ الآيات القرآنية ، وأن تشكره بالتواضع ... فإن كان أبوك في نظرك ونظر الناس خيراً من غيره فقد يكون في ميزان الله – نسأل الله العافية – أقلَّ بكثير ممن رأيته خيراً منهم .. وقد مدح قومٌ الصدّيقَ رضي الله عنه فقال قولتَه المشهورة : " اللهم اجعلني خيراً مما يظنون ، واغفر لي ما لا يعلمون " .
- قال الولد : جزاك الله خيراً يا والدي ومعلّمي ، والله ما كان يخطر ببالي أنني أُغضب الحقّ تبارك وتعالى ، وأعاهدك أنْ لا أعود إلى ذلك أبداً .
- قال الأب : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصّ على الصحابة الكرام عاقبةَ مَن يُعجب بنفسه ، فيوردها موارد الهلاك ... وسأذكر لك ثلاثاً منها ، عساها تكون إشاراتٍ حمراء تمنع صاحبها أن يقع في شرّ ما يفكر به ويعمله .

أما القصة الأولى :
فقصة رجل رأى نفسه فوق الآخرين مالاً وجمالاً وحلّةً ... مشى بين أقرانه مختالاً بثوبه النفيس ، وشبابه الدافق حيويّة ، وجيبه المليء المنتفخ مالاً ، تفوح نرجسيّتُه وحبُّ ذاته في الطريقة التي يمشيها ، فهو يمدّ صدره للأمام ، ويفتح ما بين إبطيه ، لا يكاد الطريق يسعُه ، يميل بوجهه إلى اليمين مرّة ، وإلى اليسار أُخرى متعجّباً من جِدّة ثوبه ، وغلاء ثمنه ، يجر رداءَه خيَلاءَ ، يظن نفسه خيرَ مَن وطِئ الثرى ، يكادُ لا يلمس الأرض من خفّته ، يحسب أن العَظَمة إنما تكون بالمادّة والمظهر ، ونسي أنها لا تكون إلا بحسن الأخلاق ونفاسة المخبَر ، وغفَل عن قوله تعالى : " ولا تمْشِ في الأرض مَرَحاً ، إنك لن تخرِق الأرضَ ولن تبلُغ الجبالَ طولاً " وتناسى أنه مخلوق ضعيف ، أصلُه من طين ، ومن سُلالة من ماء مَهين . تناسى أنّ أوّله نطفة مَذِرَةٌ ، وآخرَه جيفةٌ قذرةٌ ، وهو بينهما يحمل العَذَرةَ ... وتناسى أنّه حين صعّر خدّه للناس غضب الله عليه ، لأنه شارك الله في صفتين لا يرضاهما لغيره ، حين قال تعالى " العَظَمةُ إزاري ، والكبرياءُ ردائي ، فمن نازعني فيهما قصمت ظهره ولا أُبالي " بل تناسى كذلك أنه سيصير إلى قبره ، حيث يأكله الدود في دار الوَحشة والطُّلمة ، لا أنيس فيها سوى التقوى والتواضع . وغفَل أيضاً عن مصير الجبّارين المتغطرسين قبله . وقصّة قارون الذي خسف الله تعالى به الأرض قرآن يُتلى .
وقد أخبرنا الرسول الكريم أن هذا الرجل المتكبر خسف الله به الأرض ، فهو يغوصُ في مجاهلها من شِقٍّ إلى شقّ ، ومن مَهوىً ضيّق غلى حفرة أعمقَ منها ، ينزل فيها مضطرباً مندفعاً ، تصدُر عن حركته أصواتٌ متتابعةٌ إلى يوم القيامة جزاءَ تعاظمه وتكبّره ... ثم قال الرسول عليه الصلاة والسلام " إنّ الله أوحى إليّ أنْ تَواضعوا ، حتى لا يبغيَ أحدٌ على أحدٍ ، ولا يفخرَ أحدٌ على أحدٍ . "
الحديث في صحيح البخاري
مجلد 4 جـ 7 باب من جر ثوبه خيلاء

وأما القصة الثانية :
فقد ذكر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن رجلين من بني إسرائيل كانا متآخيين إلا أنهما يختلفان في العبادة ، فالأول مجتهد فيها ، يصلُ قيام الليل بصيام النهار ، لا يألو في الاستزادة منها .. يرى صاحبه مقصّراً ، بل مذنباً مصرّاً على المعاصي ، فيأمره بالعبادة ، وينهاه عن المعصية ، ولربّما وجده يوماً يشرب الخمر أو يرتكب معصية ، فنهاه عنها ، وهذا أمر يتصف به المسلم ، فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، وهكذا الدعاة دائماً " كنتم خير أمة أُخرجتْ للناس ، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ... " .. " ولْتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ، ويامرون بالمعروف ، وينهَوْنَ عن المنكر " إلا أن الإنسان حين يتجاوز حدّه ويتألّى على الله فقد أساء إلى الذات الإلهيّة ، ووقع في غضب الله دون أن يدري ، فكانت عاقبته خسراً .
إن العاصي حين أمره العابد أن يفعل الخير ، ونهاه عن المنكر قال له : " خَلّني وربي .. أبُعِثْتَ عليّ رقيباً ؟! " ... هنا نلحظ أمرين اثنين :
1- فقد كان المذنب مصراً على الذنب ، عاكفاً عليه ، متبرّماً من متابعة العابد له بالنصح والمتابعة .
2- وكان أسلوب العابد في النصح فظاً غليظاً أدّى إلى تحدّي العاصي له . والداعية الناجحُ هيّن ليّن ، رفيق بالمذنبين ، يعاملهم معاملة الطبيب الحاني مرضاه ، فيمسح عنهم تعبهم ، ويخفف عنهم آلامهم ، فيدخل إلى قلوبهم ، وينتزع منهم أوصابهم .....
احتدّ العابد من إصرار العاصي على ذنبه ، فاندفع يُقسم : أنّ الله لن يغفر له ، ولن يرحمه ، ولن يُدخله الجنّةَ .... فيقبض الله روحيهما ، فاجتمعا عند رب العالمين ، ،، ويا خسارة من يغضب الله عليه ، إن العابد نزع عن الله صفة الرحمة ، وصفة الغفران ، حين أقسم أن الله لن يغفر للعاصي ...
قال الله لهذا المجتهد : أكنتَ بي عالماً ؟ أو كنت على ما في يدي قادراً ؟ لأُخيّبَنّ ظنّك ، فأنا أفعل ما أشاء ... وقال للمذنب اذهب فادخل الجنّة برحمتي ... إن الناس جميعاً ، صالحَهم وطالحَهم ، عابدهم وعاصيهم ، لن يوفـّوا الله نعمه ، وحين يدخلون الجنّة يدخلونها برحمته . .. قالها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا له : حتى أنت يا رسول الله ؟ قال : " حتى أنا إلاّ أن يتغمدَنيَ اللهُ برحمته "
وقال الله تعالى للآخر(للعابد) المتألّي على الله : اذهبوا به إلى النار ... لقد لفظ كلمة أهلكته فدخل النار ولم تنفعه عبادته .
رياض الصالحين باب تحقير المسلمين الحديث/ 1210 /

وأما القصة الثالثة :
فهي رديف المعنى في القصة الثانية ، إذ افتخر رجل أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل ، فقال : أنا ابن فلان ، فمن أنت؟ لا أمّ لك . فردّه المعلّم الأول صلى الله عليه وسلّم إلى الصواب بطريقة غير مباشرة ، إذ روى الحبيب المصطفى قصة مشابهة لقصتهما حدثت أما النبي موسى عليه السلام بين رجلين . فقد فَخَر الرجل الأول بآبائه فقال : أنا ابن فلان بن فلان .. حتى عدّ تسعة آباء ، لهم بين يدَيِ الناس في حياتهم المكانةُ الساميةُ غنىً ونسباً ومكانةً .. فمن أنت حتى تطاولني وتكون لي نَدّاً ؟! .
لو انتبه إلى مصير أبائه وأجداده لم يفخر بهم ، إنهم كانوا كفـّاراً يعبدون الأصنام ويتخذونها آلهة. والله تعالى يقول لأمثال هؤلاء: " إنكم وما تعبدون من دون الله حصَبُ جهنّم ، أنتم لها واردون " .. لم يدخل الإيمان قلبَه فدعا بدعوى الجاهلية ، وفضّل أهلَ النار – ولو كانوا أجدادَه – على أخيه المسلم ، فكان مصيرُه مصيرَهم إذ أوحى الله إلى نبيّه موسى أن يقول له : أما أنت أيها المنتسب إلى تسعة في النار فأنت عاشرهم ،لأن المرء يُحشر مع من أحبّ . وقال الثاني : أنا فلان بن فلان بن الإسلام .. فخر بأبيه الذي رباه على الإسلام ، وقطع نسبه قبل أبيه ، فلم يفخر بجده الكافر ، ولم يعترف به ، فلا جامع يجمعه به .
أبي الإسلامُ لا أبَ لي سواه *** إذا افتخروا بقيس أو تميم
هل يلتقي الكفر بالإيمان والظلام بالضياء في قلب واحد؟! شتّان شتّان ، فلن يعلوَ الإنسانُ بنسبه ، ويوم القيامة لا ينفعه سوى عمله " فإذا نُفخ في الصور فلا أنسابَ بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون " وقال تعالى كذلك " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " وهل ينفع نوحٌ ابنَه ؟ وإبراهيمُ أباهُ ، ورسولُ الله عمَّه أبا لهب ؟ ..
فأوحى الله إلى نبيّه موسى أن يهنئه بالفوز والنجاح حين قال : أما أنت أيها المنتسب إلى والدك المسلم ودينك العظيم فأنت من أهل الجنّة . تعصّبتَ إلى دينك ، وتشرفتَ بالانتساب إليه فأنت منه ، وهو منك .
مسند الإمام أحمد جزء 5 ص 128

قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم
القصة الثالثة
تلك إذاً قسمة " صحيحة "
دكتور عثمان قدري مكانسي

دخلت حسناء البيت مسرعة ، فوجدت أمها ترتب الطعام على المائدة ، فبعد قليل يأتي والدها من العمل متعباً ، فيأكل ثم يصلي ليرتاح قليلاً قبل زيارة الجدة ، فشرعت في مساعدة أمها ، وأخبرتها أن معلمتها ذكرت لها قصة الحلاّبة وابنتها، فأعجبت بالبنت ونزاهتها وحسن إيمانها ، ورغبت أن تكون مثلها في التزامها آداب هذا الدين العظيم والتمسّك بأهدابه .... ولم تنتظر أن تطلب أمها أن تقص عليها قصتها ، فبدأت تقول :
إن الفاروق عمر رضي الله عنه خليفة المسلمين انطلق وخادمُه يعُسّ طرقات المدينة ، ويتفقد أمور المسلمين ، فسمع امرأة تقول لابنتها : يا بنيّة امزقي ( اخلطي وامزجي )اللبن بالماء – كي يكثر فيزداد الربح- فقالت البنت لأمها : أم تعلمي أن أمير المؤمنين حذرنا من الغش، ومنع مزج الحليب بالماء ؟! قالت لها أمها : وأين منا أمير المؤمنين ؟ ... ردت البنت قائلة : إن كان أمير المؤمنين لا يرانا فربه سبحانه يرانا !...
أُعجب الفاروق بدين الفتاة وكريم خُلُقها ، وأمر صاحبه أن يضع علامة على البيت ، وقال له : ايتني بخبر أهل الدار ...
وفي الصباح قال خادمه : إنها امرأة تبيع الحليب وابنتها . فسأل الخليفة ابنه عاصماً : هل لك في زوجة صالحة ؟ قال : نعم . فزوجه منها . فكانت هذه الزوجة الصالحةُ جدةََ الخليفة الأموي العادل عمر بن عبد العزيز.
فرحت الأم بابنتها ، وقبّلتها ، وقالت: إنّ السُّحت يا ابنتي لا بركة فيه ، ويُردي صاحبه في النار ، والحلال يرفع شأن صاحبه في الدنيا ، ويهديه إلى الجنة .
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم روى لأصحابه قصة مشابهة لما رويتِ ، سأقصها عليك الآن ونحن نرتب الطعام على المائدة قبل أن يصل والدك .
تعلمين يا حسناء أن الخمر لم يكن محرّماً في أول الإسلام ، ثم بدأت الدائرة تضيق على تناوله حتى حرّمه الله تعالى في قوله سبحانه " يا أيها الذين آمنوا ، إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان ، فاجتنبوه لعلكم تفلحون ، إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ، ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ؟ " قالوا : انتهينا ، يا رب ، انتهينا .
ولعله كان في الأمم السابقة غير محرّم كذلك .
فقد انطلق رجل بسفينته في النهر ، يقف على هذه القرية وتلك القرية ، وهذا الحي وذاك ، يبيع الخمر للناس . وكان غشّاشاً ، يخلط الخمر بالماء ليزداد بيعه ، فيزداد ربحه . وكثير من الناس في أيامنا هذه يفعل مثله ظنّاً منهم – وهذا قلة في الدين ، وضعف في اليقين – أنهم يسرعون في الثراء ، فيَشـُوبون الجيد بالرديء ، او يمزجون المتقاربين في النوع ليجنوا المال الكثير بالطرق غير المشروعة ، فيخسرونه وأضعافه بطرق لا يشعرون بها ، فقد تكون المرضَ ، أو السرقةَ أو الضياعَ أو الإسرافَ أو النكدَ في الحياة الذي يطغى على كثرة المال ، فيفقدُ الإنسانُ الراحة وطعم السعادة .. وهذا كلُّه لا يساوي شيئاً أمام عذاب الله تعالى وغضبه ... فما نبت من سحت فالنار أولى به .
باع الرجل " الخمر المائيّ" ، ووضع الدنانير في كيسه ، وانطلق بسفينته عائداً إلى بيته ، والسعادة تملأ نفسه ، والأمل في جمع ثروة كبيرة يراوده . وبينما هو في أحلامه ، وقردُه إلى جانبه يقفز هنا وهناك اختطف القردُ الكيسَ ، وصعِد به إلى سارية السفينة . فانخلع قلب التاجر لمصير الكيس ، فقد يطيح به القرد في الماء ، فيخسر تجارته وأحلامه الوردية التي خامرَتْه . وقد يفتحه ، فتتساقط بعض الدنانير في الماء ، ويغيب بعضها في ثنايا الألواح ....
أيها القرد ؛ أيها القرد؛ بالله عليك انزل . فلما لم ينزل ناداه : ارم الكيس إليّ بهدوء ، ولا تفجعني في مالي ...
لم يفهم القرد توسّلَه ، بل تمكّن من جلسته أعلى السارية ، وحلَّ رباطَ الكيس ...؛ نظر في داخله ...؛ مدّ يده إلى الدنانير الذهبيّة ، فأخرج ديناراً ، وقلّبَه بيده كأنه يروزه ( يختبره ويتعرّفه) ثم ألقاه أسفل منه ، فسقط في السفينة ، فابتدره التاجر ... ورفع رأسه إلى حيث يجلس القرد ... كان التاجر متوثّباً مشدودَ الأعصاب .. لقد مدّ القرد يدَه إلى الكيس ، وأخرج ديناراً قلّبه بيده ، فاستعدّ التاجر لتلقّيه .. ليس في الأمر حيلة سوى ذلك ، لقد ترك دفّة السفينة ليتفرّغ للالتقاط الدنانير .... يا ويح التاجر ، لقد رمى القرد الدينار في الماء بين الأمواج ، ورمى التاجر رأسه على عمود السارية من الغيظ والقهر .. وعاد ينظر بتوسّل ظاهر إلى القرد ، ولكنْ هذه المرة دون أن يناديه ، إذ انعقد لسانه .. فرمى القرد إليه ديناراً ، فأسرع إلى التقاطه ، ورمى الدينار الرابع إلى الماء ... يا ويحه ، ما عادت رجلاه تحملانه .. سقط على الأرض ، وعيناه متعلقتان بالقرد وصنيعه ...
ازدادت سرعة يد القرد ، واستمر التوزيع العادل في القسمة .. دينارٌ يٌرمى على السفينة ، وآخر يُلقى إلى الماء .... وفرغ الكيس ، ونزل القردُ ... أخذ التاجر نصيبَه من ثمن الخمر ، وأخذ النهر نصيبه من ثمن الماء الممزوج بالخمر ...
أليست القسمة صحيحة ، والقردُ قاضياً عادلاً ، وحكَماً نزيهاً ؟! !
وقد نال التاجر نصيبه من الحزن والألم في الدنيا . وسينال جزاءَه في الآخرة ناراً تلَظّى ، لا يصلاها إلا الأشقى .. هذا إذا لم يتق الله تعالى ، ويتـُب ، ويعفُ الكريمُ عنه.
مسند الإمام أحمد ج2ص306

قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم
القصة الرابعة
" الوفاء بالعهد "
دكتور عثمان قدري مكانسي

إني بحاجة إلى ألف دينار عدّاً ونقداً ،كي أدفع ثمن الثياب لذلك التاجر الذي ابتعتها منه ، ولا أستطيع الاعتذار ، فالبائع بعيد على الشاطئ الآخر من البحر ، وهو يعرفني أفي بالعهد ، صادقاً ، لا أكذب الحديث ... إنه ينتظر في بلدته ، والسفينة ستقلع غداً صباحاً ، فماذا أفعل يا رب ، كنت أعتقد أن المال بحوزتي ، فإذا به أقل مما توقعت ، بعت حُلِيَّ زوجتي وبنتيّ ، واستغنيت عن بعض الأساسيات ، وما زال ينقصني ألف دينار ، من أين آتي بها؟ اللهم يسّرْ وأعنْ .. إنني أعرف أن الحاضرين من أهلي وأصدقائي لا يملكون مثل هذا المبلغ ، وسؤالي إياهم يُخجلهم ، ويخجلني ، فما اعتدت أن أسألهم لعلمي بحالهم ، وسيشعرون بالحرج إذا قصدتهم .. ماذا أفعل يا إلهي ؟!! لا بد من تيسير الله تعالى .. اللهم اجعل لي من أمري فرجاً .
آه ، تذكرت... إن عبد الله تاجر كبير في البلدة المجاورة ، يحب الخير ويسعى فيه ، ولعلني إن قصدته لا يخيب فيه أملي ... ولكنّ علاقتنا بسيطة لا تتعدّى السلام والتحية . .. إلا أنه والحق يُقال شهم يلبي ذا الحاجة والمعسر ،وأنا محتاج ومعسر . فلْأذهب إليه ، لا تثريب عليّ إن عدْت من عنده خاليَ الوفاض ، لم أنلْ بغيتي ، إنما عليّ أن أبذل جهدي ، وعلى الله تعالى تدبيرُ الأمور ، وإن نلتُ منه حاجتي ، فقد سهّل الله أمري ... إذاً لا وقت للتردد يا يوسف ، فهيّا إلى ذلك الرجل الفاضل ، علّ الله يجعل التيسير على يديه .
السلام عليكم يا عبد الله ورحمة الله وبركاته .
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، أهلاً وسهلاً يا أخُ يوسف ، ما هذه المفاجاة الطيبة؟ تزورني أول مرة في داري ؟ أهلاً بك وسهلاً ، مقدَمُ خير وبركة ...
كان استقباله طيباً ، والابتسامة لا تفارق مُحيّاه ، بسط لي من القول وأكرمني غاية الإكرام ، ثم سألني حاجتي ، فزيارتي الأولى له الليلة تنمّ عن حاجة ولهفة في الإسراع إلى قضائها . وصدق حدسُ الرجل ،،، وتلعثمتُ أول الأمر ، فقد كان من المروءة زيارته دون الحاجة إليه ،،، ولا بد من الإفصاح عما في جَعبتي ، فسألته أن يسلفني ألف دينار ....
قال : على الرحب والسَّعة ، إن زيارتك توجب حسن القيام بواجبي ، فضلاً عن كونك تاجراً معروفاً بالصدق والأمانة ، ولو أرسلت رسولك دون تجشم العناء لكنت عند حسن ظنك بي ، ولكن زارتنا البركة بمجيئك .
شكرت له حسن استقباله ، ومروءتَه التي طبّقت الآفاق . ثم قال لي : أنا لا أشك في صدقك وحسن أدائك الأمانة ، لكنّ الله تعالى أمرنا أن نُشهد على معاملاتنا التجارية فقال: " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمىً فاكتبوه ..... واستشهدوا شهيدين من رجالكم " وشرْعُ الله أولى أن يُتّبع ، فهو أحفظ للحقوق ، وأدعى إلى الالتزام بها ، يريح النفس ، ويُبقي على الود والمحبة .
قلت : هذا أمر لا أنكره ، وحق لا أماري فيه . ، لكن العجلة وضيقَ الوقت أنسياني ذلك ، وليس في هذه البلدة من يعرفني فيكفلني . والسفينة تنطلق غداً من المرفأ إلى الطرف الآخر ، والزمن يتسارع ، فهل تقبل أن يكون الله تعالى شهيداً بيني وبينك ؟
قال على فوره : كفى بالله شهيداً .
أردفتُ : ألا ترضى أن يكون الله لي كفيلاً ؟.
قال : كفى بالله كفيلاً ....
قلت : فأنا أُشهد الله تعالى أن أرد لك المبلغ في حينه .. ولعل الله تعالى يعرف صدق نيّتي ، فيعينني على أداء فضلك وعونك .
فدفع المال إليّ على أن أرده في الأجل المسمّى الذي ضربتُه ، وانطلقت إلى السفينة التي حملتني إلى الشاطئ الآخر ، ولم تمضِ أيام حتى قضيت حاجتي ، وبعت واشتريتُ ، فرزقني الله تعالى رزقاً طيّباً وفيراً .
وكان لا بد أن أشكر الله على فضله ومَنّه وكرمه ، ولا يكون الشكر إلا برد الحقوق إلى أصحابها ، وشكرهم على معروفهم ، فقديماً قالوا : من لا يشكرِ الناس لا يشكرِ الله .
وقفت على الشاطئ ألتمس مركباً يعود بي إلى الضفة الأخرى ، فلم أجد . وسألت عن طريقة أصل بها إلى الرجل الفاضل الذي أغاثني في الوقت الذي وعدته أنْ أفيَه . فلم أجد . لا بد أن أفعل شيئاً يرضي الله تعالى فهو الشهيد علي ، وهو سبحانه كفيلي .. يا رب يسر أداء ديني واجعلني من المقبولين لديك ، هاأنذا ضاقت بي الحيلة ، وأنت حسبي ، وعوني . ..
إن إخلاص المرء لله وصدقه في التوجه إليه يرضيه سبحانه ، ويُرضي الناس عنه . وأنا راغب في إيفاء الرجل حقه والتزامي بعهدي إياه .. فيا رب أنت الشهيد ، وأنت يارب الكفيل ، توجهت إليك ربِّ ، فاهدني إلى قضاء ديني ، واحفظ عليّ ماء وجهي .
وأراد الله سبحانه أن أفي بعهدي ولا أخفر ذمتي ، فألهمني أن آخذ خشبة كبيرة ، فنقرت فيها جوفاً يتسع لألف دينار وضعتها فيه ، وكتبت رسالة إلى صاحبي أعتذر فيها عن حضوري مع الوديعة ، وأشكره على شهامته ونجدته ، ثم سوّيتُ موضع الحفر وسدَدْتُه بإحكام تام ، وأتيت بها إلى البحر .
لئن يكن في قابل الأيام مصارف منبثة في أرجاء المعمورة تسهل المعاملات التجارية ، أو وسائل اتصال يبدي بها المرء عذره ، إن الحاضر بدائي ليس فيه شيء من هذا .
ولو كان معي رجل يرى ما أفعل لقال : إنني مغفل معتوه . كيف أدفع المال الذهبي – وهو ثقيل – في جوف شجرة كبيرة ، قد تنحرف يميناً أو شمالاً فتعلق في غابة مرجانية ، أو تغوص في دوّامة مائية فتنشقّ، أو تصطدم بصخرة قوية فتتفتّت ، وتتناثر الدنانير في الماء ... وهل تصل إلى صاحبها ؟ هل من المعقول ذلك وآلاف الناس على البحر ، إن أخذها أحدهم لم يدّع الآخرون أنها لهم ، ولماذا يدّعون وهي لا تصلح لشيء ؟!
لكنني أشهدْت اللهَ ، وجعلتُه عليّ كفيلاً ، ورضي الرجل بشهادة الله وكفالته . ويقيني أنه سبحانه سيوصلها إليه . .. يا رب ؛ إنك تعلم ما جرى بيني وبين الرجل ، وإني جهدتُ أن أرى مركباً يوصلني إليه ، أو يوصل إليه الأمانة ، فلم أقدر ، وإني أستودعكها ...
ورميتُ الخشبة في البحر ، حتى غابت فيه ، ثم رحتُ أبحث عن أول مركب يوصلني إلى مدينتنا على الشاطئ الآخر ..
خرج التاجر عبد الله في الوقت المحدد الذي اتفقا عليه ينتظر مركباً يصل يوسف على متنه فيتلقّاه ويهنئه على سلامة الوصول ، ويسترد ألف الدينار ، أو يرى سفينة يحمل ربانُها المال من يوسف ، ولكنه لم يجد أحداً .. ورأى خشبة قذفتها الأمواج إلى البابسة ، لمّا تجف ، فأعجبه حجمها ، فأخذها لأهله حطباً ، فلما نشرها وجد المال والرسالة ... ما أشد فرحته ، وما أعظم سروروه !! كيف تسنّى ليوسف أن يفعل هذا ؟! وكيف تفتّق ذهنه عن هذه الحيلة ؟! لولا صدق إيمانه بالله ما فعل هذا ، ولولا حسن توكله على الله وثقته به ما اطمأنّ إلى ما فعل . فقال : الحمد لله الذي -عرّفني عن تجربة - على صديق وفي وأخ كريم . لأصاحبنّه وليكوننّ أخي ، فالأخ المؤمن سراج يضيء حياة الآخرين بفيض من إيمان ....
ولك - يا رب – الشكر ، فأنت سبحانك نعم الشهيد ونعم الوكيل . لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيتَ على نفسك .
وقدم يوسف بعد مدة ، فانطلق فوراً إلى عبد الله ، وقدّم له الدنانير الألف معتذراً عن تأخره .
قال عبد الله : هل كنتَ بعثتَ إليّ بشيء ؟
ولعلّ عبد الله كان يظن أن يوسف لم يقدر أن يفي بوعده في الأجل المسمى ، وأن الله تعالى – حين رضي به عبدُ الله شهيداً وكفيلاً – أمر أحد ملائكته ، ففعل ما وجده على الشاطئ .
فهو إن سأل يوسف ، فلم يلقَ جواباً أيقن أن الله قضى عنه ، وإن كان يوسف هو الفاعل ليتمسّكنّ بصحبته إلى الأبد كما قرر سابقاً .
فحدّثه يوسف بما فعل ، فقال عبد الله مطمئِناً إيّاه : فإن الله تعالى قد أدّى عنك الذي بعثتَ في الخشبة ، فانصرف بأموالك راشداً .

صحيح البخاري مج/2 ج /3
كتاب الإجارة ، باب الكفالة في القرض والديون

قصص رواها النبي صلى الله عليه وسلم
القصة الخامسة :
العمل الصالح يُنجي صاحبه
دكتور عثمان قدري مكانسي
قاربت الشمس على المغيب ، وبدأ الظلام يرسل أول خيط له مازج الضوء الباهت الذي آذن بالرحيل ، وبدأت الأنسام الباردة تخترق ثياب هؤلاء النفرالثلاثة الجادّين في السير ، يريدون أن يصلوا إلى أقرب مأوى يقضون فيه ليلتهم هذه ، ثم يتابعون رحلتهم إلى هدفهم .
كانوا بعيدين عن القرى مسافات كبيرة ، قدّروا أنهم لن يستطيعوا الوصولَ إلى أوّلها إلا بعد ساعات من مسير ليليّ غير محمود العواقب ، فقد يقعون في حفرة ، أو يدعمهم سيل جارف ، أو يَفجؤهم مطر منهمر ، أو وحوش كاسرة .... والليل لا عيون له ، والنهار آمَنُ وآنَسُ. فليبحثوا إذاً عن أقرب مكان يلوذون به ...
ولم يطل بهم البحث ، فعلى مدىً يسير منهم ظهرت فجوة ترتفع عما حولها قليلاً ... فجدّوا السير إليها ، وكانت مناسبة لهم ، ما إن دخلوها حتى شعروا بالدفء يسري في أوصالهم ، والهدوءِ يَحوطهم ، والعتَمة تزحف عليهم ، فاستسلموا لنوم لذيذ . وما ألذّ النوم بعد التعب ، والسكونَ بعد الحركة ... وغرقوا في أحلام وردية ، وتخيّلوا أنفسهم في مرابعهم ، وبين أهليهم ، ولم يشعروا بما كان خارج كهفهم من ريح اشتدّت حاملةً السحاب الماطر الذي أغرق المكان حولهم ، وحفر تحت صخرة كبيرة كانت أعلى الكهف ، فتدحرجت بكلكلها ، لتستقر على باب الكهف ، فتوقعَهم في مأزق لا خلاص منه إلا أن يشاء الله .
بدأت الشمس ترسل أشعتها إلى الكهف من خلال فجَوات صغيرة تدغدغ النائمين ، وتوقظهم برفق ولطف ، وكأنها تقول لهم : يكفيكم ما أنتم عليه من غفلة ، قوموا لتبحثوا عن خلاص من هذه المصيبة التي حلّت ، لا تدرون ما الله فاعل بكم إذا ثبتَتْ في مكانها ... هيا انهضوا فادفعوها ، واسألوا الله العون ، والتمسوا رحمته .
إنهم يتحركون ، لقد شرَعت الحياة تدب فيهم ، فتمددت أوصالهم هنا وهناك يمنة ويسْرة ، فحمد أولهم ربّه أن أحياه بعد ما أماته – ولمّا يقم – وشكر الثاني ربّه على نعمة الأمن والأمان – ولمّا يفتحْ عينيه – وصلى الثالث على موسى وهارون اللذَين هداه الله بهما بعد أن ذكر الله ونهض ... ولكن أين النور المنبثق ؟ أين الضياء يملأ المكان؟ .. كلها تساؤلات فرضتْها اللحظة التي رأى جوّ الكهف فيها خانقاً ... هيّا يا صاحبيّ ، أنا عاجز عن فهم ما جرى ... نطقها سريعاً ، فقفزا فوراً كأنهما في سباق ، يستكشفان ما حلّ بهم ، ويتعرّفان الموقف ، ففوجئا بما فوجئ به صاحبهما آنفاً .
اندفع أحدهما نحو الصخرة ليبعدها عن الباب ، فارتدّ خائباً ... عاود الأمرَ فانتكس ، جرّب صاحباه ، فلم يُفلحا ، وأنّى لمخلوق ضعيف أن يزحزح وتداً عظيماً من أوتاد الأرض ؟!
تكاتف الثلاثة وأجمعوا قوّتهم ، وهاجموا الصخرة بعنف ارتدّوا عنها بمثله ، أو أشدّ . فلما يئسوا من زحزحتها ، ورأوا الموت المرعب يُطِلّ عليهم من بين فروضها عادوا إلى أنفسهم يفكّرون ، وعن مخرج مما هم فيه يبحثون .
وشاء الله الرحيم بعباده أن ينجّيَهم ، فألهمهم الدعاء له ، والالتجاء إليه . أليس سبحانه هو القائل : " وقال ربكم ادعوني أستجِبْ لكم "؟ ! .. بلى والله .. يا من يجيب المضطر إذا دعاه ، ويكشف السوء ؛ نجِّنا برحمتك يا أرحم الراحمين .
وبدا الثلاثة يجأرون بالدعاء ، وكانوا صالحين ، فهداهم الله أن يسألوه بأفضل أعمالهم الخالصة لوجهه الكريم ، التي ليس فيها مُراءاة ، ولايبغون بها سوى رضا الله وجنّته .
قال رجل منهم : كنت بارّاً بوالديّ ، أكرمهما ، وأفضّلهما على أولادي وزوجتي ، وأجتهد في خدمتهما . وعرف أهلي فيّ ذلك فساعدوني . وكان من عادتي أن أسقيهما الحليب عِشاءً قبل الجميع ، فتأخّرت مرة في حقلي ، أقلّم الأشجار وأعتني بالزرع ، ثم رُحت أحلب غبوقهما ، وانطلقتُ أسقيهما ، فوجدتهما نائمَين ، فكرهت ان اوقظهما ، وان أغبق قبلهما أحداً من الأهل والرقيق ، والقدح في يدي أنتظر استيقاظهما حتى بزغ الفجر ، والصبية حولي يتضاغَون من الجوع ، ويصيحون عند قدمي ، وهم فلذة كبدي ، فتشاغلتُ عنهم حتى استيقظا فشربا غبوقهما ، ثم سقيت أهلي وخدمي .... اللهم إن كنتُ فعلتُ هذا ابتغاء وجهك الكريم ففرّج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة .. فانفرجت الصخرة شيئاً لا يستطيعون الخروج منه .
وقال الثاني : أما أنا فقد كنت ميسور الحال ، أحيا رغداً من العيش ، وليَ ابنة عمّ جميلة المُحيّا ، بهيّة الطلعة ، أحبها ، وأرغب فيها ، فراودْتها عن نفسها ، فأبَتْ ، وبذلتُ لها المال ، فتمنّعتْ ، أغريتها بشتّى الوسائل ، فلم أنل منها ما أبتغي . فحبست ألمي وحسرتي في نفسي ، لا أنفرج إلا إذا نلتُها . ثم واتت الفرصة إذ جاءتني في سنة جديبة تطلب المساعدة من ابن عمّها على فقرها ، فراودتني نفسي على إغوائها ، واغتنمت حاجتَها وبؤسَها ، فأعطيتها مئة وعشرين ديناراً على أن تخلّيَ بيني وبين نفسها ، ففعَلَتْ ... يا لهف نفسي ، ويا سعادتي ، إنني قاب قوسين أو أدنى إلى اجتناء ثمرة صبري ... هاهي بين يدَيّ ، بل إنني منها مقام الزوج مكان العفة من زوجته ، والشهوة تنتفض في كل ذرّة من جسمي ... قالت والدمع يملأ مآقيها ، والحزن يتملّكها : اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقّه . فالاتصال الزوجي قمة السعادة ، والحلال مَراحُ النفس وأُنسُ الروح ، أما الزنا فلذّة اللحظة ، وندم الحياة ، وذلّ الآخرة . .. دقّ قلبي رافضاً ، وختلجت أوصالي آبية الوقوع في الإثم ، ورأيتُ بعينَيْ قلبي غضب ربي ، فقمت عنها منصرفاً ، وتركت لها المال راغباً في عفو الله ومرضاته . .. اللهم ؛ إن كنتُ فعلت ذلك ابتغاء وجهك الكريم فافرُج عنا ما نحن فيه .... فانفرجت الصخرة ، غير أنهم لا يستطيعون الخروجَ منها .
وتقدّم الثالث ، فقال : اشتغل عندي عدد من الأُجراء ، وأعطيتُهم أجرَهم غير واحدٍ ترك أجره وذهب . فقلت : في نفسي : قد ترك الأجير حقه ، فانا أولى به . وقال لي الشيطان : ليس له عندك شيء .. وتحرك الإيمان في قلبي ، فأمرني أن أحتفظ بأجره ليأخذه إن عاد ... ارتحت لهذا القرار ، فأمرني إيماني ثانية حين رأى تجاوبي للخير : بل ثمّر له أجره . .. فأشركتُه في عملي حتى كثرت الأموال والإبل والبقر والغنم والرقيقُ ، وملأ المكانَ . فجاءني بعد حين فقال : يا عبد الله ؛ أدِّ إليّ أجري . فقلت : كلّ ما ترى في هذا الوادي لك ، فخذه . فقال الأجير : أتهزأ بي ؟! أهذا جزائي منك حين انشغلتُ ابتداءً فلم آخذ حقي ؟! فقلت له : إني لا أستهزئ بك ... وأخبرتُه أنني جادٌّ في قولي ، فقد ثمّرتُ أجره . فلما وثقَ صدقَ حديثي أخذ ماله وانطلق ، فاستاقه ، ولم يترك منه شيئاً . .. اللهم إن كنت فعلت هذا ابتغاء وجهك ، فافرج عنا ما نحن فيه .. فانفرجت الصخرة ، فخرجوا يمشون .

متفق عليه رياض الصالحين ، باب التوبة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» قصة عيسى عليه السلام
» صفة عيسى عليه السلام وشمائله وفضائله
» قصة النبي ادم عليه الصلاة و السلام
» قصة النبي نوح عليه الصلاة و السلام
» قصة النبي عيسى روعه بس بشرط ردودكم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجاسوسات  :: ¬ | المنتديآت الأدبيةةْ ✿ ، :: 

القصص

-
انتقل الى:  
المواضيع الأخيرة
» مدونتي My Little World
قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام Emptyالأحد يوليو 25, 2021 3:12 am من طرف عطر مايلي

» كيفية اكتساب الطاقة الإيجابية في الحياة
قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام Emptyالسبت سبتمبر 19, 2020 5:59 pm من طرف عطر مايلي

» ماري تشوي
قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام Emptyالثلاثاء ديسمبر 03, 2019 9:57 pm من طرف zaram

» صفـــــــــات و خصائص بنـــات من ابراجهــــن
قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام Emptyالجمعة أكتوبر 25, 2019 3:02 am من طرف كبرياء انثى CyHeMe

»  الماء البارد يغنيك على المكياج
قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام Emptyالأربعاء أكتوبر 23, 2019 3:57 am من طرف عطر مايلي

»  كوني راقية
قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام Emptyالأربعاء أكتوبر 23, 2019 3:31 am من طرف عطر مايلي

» وصفة سهلة و لذيذة فطائر حلوة بالشوكولاطة
قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام Emptyالأربعاء أكتوبر 23, 2019 3:29 am من طرف عطر مايلي

» عودواا ~
قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام Emptyالأربعاء أكتوبر 23, 2019 3:02 am من طرف عطر مايلي

» آآهه ما أروعك يا اسطنببووولل،،
قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام Emptyالخميس يونيو 30, 2016 4:09 am من طرف samsouma

» قناة جديدة على اليوتوب
قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام Emptyالأحد مايو 01, 2016 8:32 pm من طرف m!ss r!ri

»  ما معنى ان الله جميل يحب الجمال
قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام Emptyالثلاثاء مارس 01, 2016 3:03 pm من طرف عطر مايلي

»  دعاء الهم والحزن
قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام Emptyالسبت يناير 23, 2016 2:55 pm من طرف عطر مايلي

» عروستي
قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام Emptyالإثنين أكتوبر 19, 2015 9:40 pm من طرف كريمة

» بطلة سحر الاسمر
قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام Emptyالإثنين أكتوبر 19, 2015 9:35 pm من طرف كريمة

» لاتدخل
قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام Emptyالأحد أغسطس 16, 2015 12:40 am من طرف miss:)maha

» مفاجأة رهيييييييبة
قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام Emptyالأحد أغسطس 16, 2015 12:40 am من طرف miss:)maha

» عيـــد سعـــيد
قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام Emptyالجمعة يوليو 17, 2015 10:34 pm من طرف miss:)maha

» تفضلــوا....
قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام Emptyالأربعاء يوليو 08, 2015 11:36 pm من طرف miss:)maha

» فلنرجع كما كنا،،
قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام Emptyالإثنين يونيو 22, 2015 2:22 pm من طرف miss:)maha

» كلمات اغنية يا اطفال العالم بالعربية + التحميل ’هدية لك كرتون’
قصة النبي عيسى بن مريم عليه السلام Emptyالثلاثاء أبريل 28, 2015 1:34 pm من طرف solansolan

أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم