لمحة تاريخية عن التعليم في الجزائرالتعليم قبل الإحتلال الفرنسي للجزائرعملت فرنسا منذ الغزو على محاربة الثقافة العربية ، فقضت على المراكز الثقافية المزدهرة في الجزائر منذ قرون خلت ، كذلك أغلقت نحو ألف مدرسة ابتدائية و ثانوية و عالية كانت موجودة في الجزائر في سنة 1830. و قد حمل أحد الكتاب الفرنسيين و هو ًيولارً فرنسا مسؤولية تأخر الجزائر في القرن العشرين ، إذ يقول :
لقد أشاع دخول الفرنسيين إلى الأوساط العلمية و الأدبية ، اضطرابا شديدا فهجر معظم الأساتذة الأفذاذ مراكزهم هاربين . و لقد كان يقدر عدد الطلاب قبل 1830 م بمائة وخمسين ألف طالب أو يزيدون ؛ و مهما يكن من أمر فلم ينجح من المدارس القديمة سوى عدد قليل من المدارس الصغيرة ، و حرمت أجيال عديدة من التّعليم
روّجت الدّوائر الاستعمارية في أوساط الأجيال الصاعدة ، أن الجزائر قد بلغت في القرون الماضية أسفل درجات الجهالة و الهمجية ، إذا لم يكن بالبلد أي تعليم منظم و لا حياة فكرية فلا عالم بينهم ولا كاتب أديب و لا شاعر.
فالأمة الجزائرية مؤلفة كلها من أميين يجهلون القراءة و الكتابة و قالوا إنّ اللّغة العربية قد ماتت منذ زمن بعيد و دفنت مع اللّغات الميتة الأخرى ، و هذا من أجل تبر ير سياستها التعليمية و دعم مطامعها الاستبدادية ، موهمة الرأي العام أن من واجب الأمم الراقية أن تنقذ سكان الجزائر المساكين من آفة جهل شامل ، و تأخر فاحش عن ركب الأمم المتمدنة ، و ذلك باسم الحق و الإنسانية.
غير أن الحقيقة التاريخية لا توافق ذلك في شيء، و الواقع يدحض تلك الأباطيل، فما استوى الجهل على الجزائر في القرون السالفة، وما انقطعت بالجزائر مسيرة التعليم، و ما انعدمت المدارس، و لا قلت العناية باللغة العربية وعلومها وآدابها، في جميع العصور الإسلامية، و منها القرن التاسع عشر، فلم تزل وقتئذ المساجد في المدن حافلة بالأساتذة والتلاميذ، ولم تزل الزوايا بالقرى جامعة للمشايخ و الطلبة، وكلهم يبذلون جهودهم في الإلمام بالعلوم ونشرها بين الجماهير. وحتى التعليم العالي ،لم يكن مهملا، في عهد الجزائر العثمانية، فقد كان له نظام خاص يتكفل به مجلس بعاصمة الجزائر مؤلف من المفتيين المالكي والحنفي و من القاضيين المالكي و الحنفي، وكان ذلك المجلس يعين ناظرا يقوم على التدريس و يقدم للداي بالجزائر، و للباي بقسنطينة وبوهران العلماء المترشحين لكراسي التدريس
1. إذ كان ذلك الناظر بمنزلة مدير التعليم العالي كما كان المجلس يقوم مقام المجلس الأعلى للجامعات العصرية.
و في السنوات الأولى من الاحتلال، استمر التعليم بالمساجد و المدارس والزوايا مزدهرا، و على نفقات الأوقاف، فنجد مثلا أن الأساتذة بالمسجد الكبير بالعاصمة قد بلغ التسعة عشر أستاذا، منهم الشيخ المفتي محمد بن الشاهد مفتي المالكية، المتوفى 1792 الشيخ العربي الإمام المفتي بالمسجد الكبير و الشيخ محمد بن الكاهية و الشيخ مصطفى بن الكبابطي القاضي واعزيز و الشيخ علي بن محمد المنجلاتي مفتي المالكية سنة 1823، و محمد بن إبراهيم بن موسى ، مفتي المالكية سنة 1824 والشيخ بن الأمين والحاج حمودة الجزائري و غيرهم.
و إذا انتقلنا إلى عاصمة الشرق قسنطينة وجدنا بها في ذلك العهد علماء أجلاء قائمين بدروس مختلفة في العلوم العربية نخص بالذكر منهم الشيخ محمد بن علي الطلحي الذي كان مجلس درسه عامرا بمسجد سيدي مسلم الحراري والشيخ عامر بن شريط و عمار العربي، الذي كان يدرس بمسجد القصبة والشيخ محمد المبارك خطيب المسجد الكبير و مفتي المالكية .
أما الجهات الغربية ، فكانت تلمسان مقر العلوم يتوارثها الأبناء عن الأباء في بيوتات شهيرة مثل عائلة شعيب و عائلة المجاوي ، إلى أن أفل نجمها فهجرها العلم والعلماء إلى وهران و مازونة و غيرها.
و هكذا كان العلماء الجزائريون في السنين الأخيرة من عهد الجزائر العثمانية وأوائل الاستيلاء الفرنسي قائمين بواجبهم نحو اللغة العربية و الأمة يخدمون العلوم في مساجد العواصم وكذلك في المدارس التي بناها محبو العلم وأنصاره من الولاة و ذوي البر والإحسان.
فكان بعاصمة الجزائر، عدد ليس بالقليل من المدارس، مثل مدرسة سيدي أيوب بالقرب من الجامع الجديد، و مدرسة حسن باشا في جوار جامع كاتشاوة فضلا عن الزوايا العديدة . ومن المدارس التي اشتهرت في القرن الماضي بحاضرة قسنطينة المدرسة الكتانية، و مدرسة سيدي الأخضر و نظيرتها بالناحية الوهرانية كمدرسة مازونة، التي نالت شهرة طائرة الذكر، منذ تأسيسها في القرن الحادي عشر للهجرة، ولم يكن التعليم وقتئذ مقتصراُ على مساجد المدن ومدارسها و زواياها فحسب، ولم بكن العلم منحصراُ في عواصم البلد فقط، بل كانت القرى تشارك في الحياة الثقافية و تأخذ نصيبها منها و ذلك بواسطة بعض الزوايا المنتشرة في جميع النواحي شرقا، وغربا، في الشمال، وبالجنوب في السهول والجبال ، حيث لا يسعنا المجال لإحصائها،وكان مستوى التعليم بهذه الزوايا على العموم جيد.
و كان العلماء بالمغرب الأقصى و بتونس يقدرون شهادات الطالب الجزائري حق قدرها و يعترفون له بقيمة دراساته بتلك المؤسسات ، فإذا قال ذلك الطالب بأنه تخرج من مدرسة مازونية أو زاوية شلاظة أو زاوية الهامل ، أو زاوية ابن أبي داود أو غيرها من المعاهد في الجزائر، قدرت دراسته و اعتبرت إجازته و ألحق بالأقسام العليا للتخصص بجامع القرويين بفاس أو جامع الزيتونة المعمور بتونس .
تلك هي الوضعية التعليمية ولغتها العربية قبل الاحتلال ، و هكذا كان حال الشعب الجزائري من الناحية العلمية و الثقافية ، مساجد عامرة بالأساتذة و التلاميذ و مدارس زاهرة و زوايا حافلة بالطلبة ، و ذلك بشهادة الأعداء ) و الفضل ما شهدت به الأعداء( و حسب المقالات و الدراسات و التقارير الصادرة عن مصلحة الاستخبارات العسكرية و على رأسهم إسماعيل أوربان ، حيـث يـقول : إنّ عدد العرب الجزائريين الذين يحسنون القراءة و الكتابة في سنة 1836/1937 يفوق ما يوجد في الجيش الفرنسي المحتل إذ عدد الأميين في الجيش الفرنسي المشار إليه كان يبلغ 45% و عليه كان عدد الأميين عند الجزائريين يقل عن تلك النسبة