ستيفن كروكر

تمر ذكرى حدث مهم في تاريخ الإنترنت: إنها الذكرى الأربعون لما يعرف باسم طلب التعليق أو RFC. وخارج المجتمع التقني، قد لا يعرف الكثيرون شيئا عن RFC، ولكن هذه الوثائق المتواضعة تشكل الأعمال الداخلية في شبكة الإنترنت وتلعب دورا كبيرا في نجاحها.

وعندما تم ابتكار طلبات التعليق لأول مرة، لم يكن هناك شبكة معلومات دولية. وحتى في نهاية عام 1969، كان هناك اتصال شبكي بدائي بين أربعة أجهزة كومبيوتر في أربعة مراكز بحثية: في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس؛ ومعهد ستانفورد للأبحاث؛ وجامعة كاليفورنيا في سانتا باربارا؛ وجامعة يوتا في مدينة سالت ليك. ومولت الحكومة الشبكة ومئات أو أقل من علماء الكومبيوتر الذين كانوا يستخدمونها. وكان مجتمعا صغيرا يعرف فيه الجميع بعضهم الآخر.

وتم إجراء قدر كبير من الدراسات والتخطيطات في التكنولوجيا التي تعمل عليها الشبكة، ولكن لم يفكر أحد كثيرا فيما يمكن فعله بها حقا. وفي أغسطس (آب) عام 1968، بدأ عدد من طلبة الدراسات العليا وأعضاء هيئة التدريس من المواقع الأربعة في الاجتماع شخصيا بصورة متقطعة، في محاولة لاكتشاف الأمر. (وكنت سعيد الحظ لأن أكون واحدا من طلاب جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس المنضمين إلى هذه المناقشات واسعة النطاق). وفي فصل الربيع التالي، أدركنا أنه يجب علينا البدء في تدوين أفكارنا. واعتقدنا أننا ربما نكتب مذكرات غير رسمية مؤقتة بشأن بروتوكولات الشبكة، وهي القواعد التي تتبادل أجهزة الكومبيوتر المعلومات عن طريقها. واقترحت أن أتولى تنظيم ملاحظاتنا الأولى.

وما كان من المفترض أن يكون عملا بسيطا تحول إلى مشروع مرهق للأعصاب. وكان غرضنا فقط أن نشجع آخرين على الدخول في الأمر، ولكن أقلقني أننا ربما نبدو وكأننا نضع قرارات رسمية أو نؤكد على سلطتنا. وكنت أظن أنني أثير غضب أستاذ مرموق في مؤسسة كبرى في الساحل الشرقي. وأصبت بالأرق بالفعل بسبب كل ذلك، وعندما بدأت أخيرا في كتابة المذكرة الأولى، التي تتناول الاتصال الأساسي بين جهازي كومبيوتر، كنت في الساعات الأولى من الصباح. وكان علىّ أن أعمل في دورة المياه حتى لا أزعج أصدقائي الذين كنت مقيما معهم، وكانوا نائمين وقتها.

وخوفا من أن أبدو متغطرسا، كتبت عنوان المذكرة «طلب التعليق». وقد تركت مذكرة طلب التعليق الأولى، المكتوبة منذ 40 عاما، العديد من الأسئلة غير مجاب عليها، وسريعا ما عفا عليها الزمن. ولكن رسخت طلبات التعليق ذاتها وتطورت. وأصبحت طريقة رسمية لنشر معايير بروتوكولات الإنترنت، واليوم يوجد ما يزيد على 5,000 طلب تعليق، جميعها متاح بالفعل على الإنترنت.

ولكننا بدأنا في كتابة هذه المذكرات قبل أن يكون لدينا بريد إلكتروني، بل وقبل أن تعمل الشبكة فعليا، لذا كتبنا رؤيتنا للمستقبل على الورق وأرسلناها عبر خدمة البريد العادي. وكنا نرسل نسخة واحدة مطبوعة من الرسالة البريدية لكل مجموعة بحثية وكان عليهم أن يصوروا منها نسخا بأنفسهم.

وتنوعت مذكرات طلبات التعليق الأولى ما بين رؤى كبرى إلى تفاصيل كثيرة، على الرغم من أن النوع الثاني أصبح هو الغالب سريعا. وما يقل أهمية عن محتوى هذه الوثائق الأولى كان أنها متاحة للجميع، ويمكن أن يكتب أي شخص واحدة. وبدلا من صناعة القرار المعتمدة على السلطة، اعتمدنا على العملية التي أطلقنا عليها: «الإجماع التقريبي وشفرة التشغيل». وكان هناك ترحيب بالجميع لاقتراح الأفكار، وإذا أعجب بها عدد كاف من الناس نستخدمها، وأصبح هذا الأسلوب قياسيا.

وعلى أية حال، كان الجميع يعرفون أن هناك قيمة عملية في اختيار فعل مهمة متشابهة بالطريقة ذاتها. وعلى سبيل المثال، إذا احتجنا أن ننقل ملفا من آلة إلى أخرى، وإذا كنت ستصمم عملية ما بطريقة ما، وكنت سأصممها بطريقة مختلفة، على أي شخص يريد التحدث إلى كل منا أن يستخدم الطريقتين المختلفتين لفعل الشيء ذاته. لذا كان هناك الكثير من الضغط الطبيعي لتجنب مثل تلك المشاحنات. وربما تكون قد ساعدت في الأيام التي كنا نتجنب فيها حقوق براءة الاختراع ومحاذير أخرى؛ ودون أية حوافز مالية للتحكم في البروتوكولات، كان من الأسهل بكثير التوصل إلى اتفاق.

وكان هناك انفتاح تام في التصميم التقني وكانت ثقافة العمليات المفتوحة ضرورية للسماح للإنترنت بالنمو والتطور بصورة مدهشة كما فعلت. وفي الحقيقة، لولاها لما كانت لدينا شبكة الإنترنت الدولية حاليا. وعندما أراد علماء الفيزياء في سيرن نشر الكثير من المعلومات بالطريقة التي تجعل من السهل على الناس الوصول إليها والإضافة لها، وضعوا أفكارها في بساطة وجربوها. وبفضل العمل الأساسي الذي أرسيناه في مذكرات طلب التعليق، لم يكن عليهم أن يطلبوا إذنا، أو أن يجروا أية تغييرات على العمليات الأساسية في شبكة الإنترنت. وسريعا ما قلدهم آخرون، مئات من آلاف مستخدمي الكومبيوتر، ثم مئات الملايين، بإنشاء محتوى وتكنولوجيا والمشاركة فيهما. وهذه هي شبكة الإنترنت.

وبصورة أخرى، كنا نحاول دائما أن نضع كل بروتوكول جديد ليكون مفيدا في حد ذاته وقالب بناء للآخرين. ولم نفكر في أن تكون البروتوكولات منتجا كاملا، بل كشفنا عن قصد عن البنية الداخلية لجعل من السهل على الآخرين ترسيخ أقدامهم. وكان هذا التناقض بين شبكات التليفون القديمة، التي تثبط أية إضافات أو استخدامات لم يقروها.

ومن المؤكد أن عملية نشر الأفكار واختيار المعايير في النهاية أصبحت أكثر رسمية. وتطورت اجتماعاتنا غير الرسمية لتصبح أكبر، وشبه منظمة تحت عنوان مجموعة عمل الشبكة. وعلى مدار الأربعة عقود، تطورت هذه المجموعة وتحولت مرتين، وأصبحت حاليا فريق مهام هندسة الإنترنت. ويوجد بها بعض التسلسل والرسمية، ولكن ليس بدرجة كبيرة، فهي ما زالت مفتوحة ومتاحة لأي شخص.

وقد تطورت مذكرات طلب التعليق أيضا. فلم تعد طلبات تعليق بالفعل، لأنها تنشر فقط بعد الكثير من التدقيق. ولكن الثقافة التي نشأت في البداية استمرت في لعب دور قوي في الحفاظ على انفتاح الأشياء أكثر مما كانت عليه. وتقبل الأفكار وتصنف وفقا لمميزاتها، مع رفض النظراء لعديد من الأفكار بالطريقة التي يتم بها قبول أفكار أخرى.

وفي الوقت الذي نعيد فيه بناء اقتصادنا، أرجو أن نضع في اعتبارنا قيمة الانفتاح وخاصة في صناعات نادرا ما كانت تتميز به. وسواء في إصلاح الرعاية الصحية أو الابتكار في مجال الطاقة، ستأتي أكبر الأرباح ليس مما ستدفعه خطة الإنقاذ مباشرة، ولكن من الآفاق الكبرى التي نفتحها ليكتشفها الآخرون.

وتذكرت قوة ونشاط مذكرات طلب التعليق عندما قمت بأول جولة لي في بنغالور في الهند منذ 15 عاما. وكنت مدعوا لإلقاء محاضرة في معهد العلوم الهندي، وفي جزء من الزيارة تعرفت على طالب أنشأ نظام برنامج معقد للغاية. وفي إعجاب سألته كيف تعلم فعل كل ذلك. فقال في بساطة: «قمت بتنزيل طلبات التعليق وقرأتها».

:8745:

:8745: