ثالثاً: المكافحة التشريعية Legislative Control
المقصود بالمكافحة التشريعية، هو سن بعض القوانين والقرارات من قبل الجهات المسؤولة بالدولة لحماية الثروة الزراعية، وذلك لوقاية المزروعات من الإصابة بالآفات ومنع انتشارها داخل حدود الدولة أو لمنع دخول آفات غير مسجلة بالدولة من الدول الأخرى.
وتساعد جهود الحجر الزراعي سواء في المطارات أو الموانئ أو المنافذ الحدودية البرية على منع دخول الآفات والأمراض الجديدة والغير معروفة بالمنطقة، أو على الأقل تأخير دخولها إلى أن تتم دراستها وتعد العدة لمكافحتها إذا تسربت، وهذا ما يعرف بالحجر الزراعي الخارجي. وفي مجال مكافحة آفات النخيل والتموريتم فحص فسائل النخيل المستوردة ورفض المصاب منها وإعدامها في الموانئ والمطارات من قبل موظفي الحجر الزراعي المؤهلين علمياً في التعرف على الآفات المختلفة.
وجدير بالذكر أنه لا يمكن منع دخول الآفات منعاً باتاً، وذلك بسبب زيادة حجم التبادل التجاري بين الدول، واستعمال الطائرات في نقل المواد والشحنات الزراعية وأيضاً حرية حركة الأفراد بالسيارات بين الدول الحدودية وسهولة انتقال الآفات خاصة الحشرية بهذه الطريقة. ومن أهم الأمثلة على ذلك انتشار حشرة سوسة النخيل الحمراء وانتقالها إلى العديد من دول الشرق الأوسط خلال العقد الأخير وعدم نجاح الحجر الزراعي في منع انتشار هذه الآفة الخطيرة.
رابعاً: المكافحة الكيميائية Chemical Control
المكافحة الكيميائية هي الوسيلة التي تستخدم فيها الكيماويات في المكافحة ويطلق على هذه الكيماويات:
" مبيدات الآفات Pesticides " . وهذا المصطلح يتكون من مقطعين: الأول Pest ويعني الآفة، والثاني cide ويعني مهلك أو قاتل، وعليه فإن تسمية المبيدات المتخصصة في مكافحة آفة معينة تشمل نوع الآفة في المقطع الأول ثم المقطع cide، وبذلك فإن الأنواع الرئيسة من المبيدات الزراعية هي: المبيدات الحشرية (Insecticide)، والمبيدات الفطرية (Fungicide)، ومبيدات الحشائش (Herbicide)، والمبيدات البكتيرية (Bactericide)، ومبيدات القوارض (Rodenticide)، والمبيدات الأكاروسية(Acaricide) ، ومبيدات البيض (Ovicide) ... وغيرها.
ويعرف مبيد الآفات الكيميائي بأنه عبارة عن مادة كيميائية تعامل منفردة أو مخلوطة مع مواد أخرى بغرض قتل أو منع أو إبعاد أو تقليل ضرر الآفات أينما وجدت. وتعتبر المكافحة الكيميائية للآفات وسيلة فعالة في حالة التكاثر المفاجئ للحشرات. ويعتقد العديد من المزارعين اعتقاداً كبيراً في كفاءة هذه الطريقة، وبأنها هي الطريقة الوحيدة الفعالة في مكافحة الآفات، وذلك نظراً لحصولهم على نتائج مباشرة وسريعة وواضحة في القضاء على الآفة المستهدفة. وقد سبق وناقشنا المشاكل التي تتسبب من الاستخدام المكثف للمبيدات الكيميائية.
ونود هنا أن نوضح أنه من الخطأ أن نعتمد كلياً على استخدام المبيدات كطريقة وحيدة للسيطرة على الآفات، بل يجب ألا نلجأ إلى استخدام المبيدات في مكافحة الآفات إلا في حالات الضرورة القصوى، فمن المفروض أن نلجأ إلى استخدام هذه الكيماويات السامة عندما تفشل الطرق الطبيعية والتطبيقية الأخرى في مكافحة الآفات أو الحد من أضرارها. وذلك نظراً لما تسببه من اختلال بين الآفة وأعدائها الحيوية (مفترسات وطفيليات)، ولما تخلفه من مشاكل معقدة منها سمية المبيدات للنبات والإنسان والحيوان، فضلاً عن التكاليف المرتفعة لاستخدامها واحتمالات ظهور صفة المقاومة Resistance في بعض الحشرات ضد فعل المبيدات، وأيضاً احتمال تحول بعض الآفات الثانوية إلى آفات رئيسة.
الإستخدام المتخصص للمبيدات الحشرية
1. الاختيارية الفسيولوجية. لقد ظهرت حديثاً مجموعة من المركبات التي تمتاز بتخصص نظمها الحيوية
المستهدفة. ومن أمثلتها: المركبات التي تؤثر على بعض مظاهر التطور والنمو في مفصليات الأرجل، مثل منظمات النمو الحشرية Insect Growth Regulators ، المركبات التي تفرز توكسينات حيوية تؤثر على الحشرات مثل: المبيدات الحشرية الحية Living Insecticides ، وهذه سوف نتحدث عنها لاحقاً عند الحديث عن المبيدات الحيويةBiopesticides بالإضافة إلى ما سبق فهناك بعض المركبات التقليدية التي تمتلك الخواص الإختيارية تجاه الأكاروسات والقراد ومنها الديكوفول، والأوفيكس، والتتراديفون ....وغيرها.
2. الاختيارية البيئية. والهدف هنا هو خفض عدد مرات المعاملة بالمبيد الكيميائي، وكذلك استخدام أقل تركيز أو جرعة من المبيد. ويمكن أن يتحقق ذلك بالاعتماد على جداول الحياة Life Table للآفة، بحيث تتم المعاملة بالمبيد والآفة في أضعف حالتها، ولا شك في أن ذلك سوف يحد من الكميات الزائدة من المبيدات والتي تزيد عن الحاجة الفعلية للمكافحة والتي تؤدي إلى التلوث البيئي وما يتبعه من تأثيرات ضارة، حيث يعتقد أنه من 50 إلى 70 ٪ من كمية المبيدات التي يتم تطبيقها تكون غير فعالة للمكافحة. بالإضافة الى ما سبق فقد تؤدي الجرعات المخفضة من المبيدات بصفة عامة إلى زيادة في الإختيارية بتقليل الضرر تجاه الطفيليات والمفترسات. وفي هذا المجال أيضاً يمكن أن نطبق ما يسمي بالرش الإختياري، أي يتم معاملة البقع الساخنة، أي معاملة صفوف من الإشجار دون الأخرى مما يتيح الفرصة لتكاثر الأعداء الحيوية من مفترسات وطفيليات. كما أن استخدام المبيدات الجهازية تظهر تخصصصاً واضحاً ضد الآفات الحشرية الماصة للعصارة النباتية مثل: الحشرات الماصة وأيضاً الأكاروسات، حيث تنفذ المبيدات الجهازية المعاملة على المجموع الخضري سريعاً خلال كيوتيكل الورقة وتنتقل خلال أنسجة اللحاء وتعمل كسموم معدية للحشرات الماصة وبالتالي يكون ضررها على الطفيليات والمفترسات والملقحات ضعيف للغاية إن لم يكن معدوماً في أغلب الأحيان.
3. الاختيارية السلوكية. تعني التوقيت المناسب للمعاملة والذي يعتمد على سلوك الحشرة، وتؤدي مثل هذه التطبيقات إلى مزايا عديدة من حيث كفاءة عملية المكافحة وحماية الحشرات النافعة وخاصة نحل العسل، والحد من تلوث المحاصيل الزراعية ببقايا المبيدات. ومع زيادة المعلومات عن الإتصال الحسي بين الحشرات خاصة ما يتصل بالفيرومونات الكيميائية والتي تنظم سلوك التزاوج، وكذا الكيرومونات الكيميائية المسؤولة عن جذب الحشرة لأماكن وضع البيض زادت إمكانية استخدام هذه الرسائل الكيميائية لجذب الآفات الحشرية إلى مناطق محددة.
وفي الحقيقة فإن الهدف الرئيسي من المكافحة المستنيرة يكمن في استبدال المعاملة الروتينية بالمبيد الحشري لتحل محلها المعاملة عند الضرورة، وذلك بالطبع يؤدي إلى تقليل عدد مرات المعاملة وتقليل الكميات المستخدمة من المبيد، مما يقلل تكاليف المكافحة إضافة إلى تحسين نوعية النظام البيئي وزيادة درجة الأمان. وتعتبر المصائد الضوئية أو الفيرومونية وغيرها وسيلة فعالة لقياس وتقدير التعداد الحشري كما أنها من أهم النظم التي تستخدم لتحديد مواعيد التدخل بالمبيد الحشري.
خامساً: المكافحة الحيوية Biological Control
تعتبر المكافحة الحيوية من أهم عناصر إدارة مكافحة الآفات، ويقصد بالمكافحة الحيوية والتي يطلق عليها أيضاً "المكافحة البيولوجية": العمل على تشجيع وإكثار الأعداء الطبيعية للآفات Natural enemies والموجودة معها في نفس البيئة أو استيراد تلك الأعداء الحيوية ومحاولة أقلمتها محلياً ونشرها على نطاق واسع للحد من تكاثر الآفات، وتشمل الأعداء الحيوية للآفات: الطفيليات والمفترسات.
كما تعتمد المكافحة الحيوية على استخدام ما يعرف بالمبيدات الحيوية والتي من أهم عناصرها المبيدات الميكروبية والتي تشتمل على مسببات الأمراض المختلفة (الفطريات والبكتيريا والفيروسات والنيماتودا والبروتوزوا، والمبيدات الناتجة من عمليات التخمر للأكتينومايسيتات الموجودة طبيعياً في التربة، وأيضاً تشمل الفيرومونات الحشرية، والمبيدات المستخلصة من النباتات، والنباتات المعدلة وراثياً لمقاومة الآفات.
• المفترسات والطفيليات Predators and Parasites
يمكن تعريف ظاهرتي التطفل والإفتراس على النحو التالي:
"الإفتراس هو نموذج من المعاشرة فيه يهاجم أحد المعاشرين، الذي يطلق عليه المفترس Predator ، فرداً واحداً أو عديداً من أفراد المعاشر الآخر، المسمي بالفريسة Prey ، والذي ينتمي إلى نوع واحد أو أكثر، بغرض التغذية عليه، حيث يقضى المفترس مع كل فرد من فرائسه فترة محدودة من الوقت تقل عن فترة طور التغذية الكامل أو غير الكامل".
"التطفل نموذج من المعاشرة الذي يعيش فيه ويتغذى أحد المعاشرين يطلق عليه الطفيل Parasite ، داخل فرد من المعاشر الآخر، الذي يطلق عليه العائل Host ، أو يعيش ويتغذى خارجياً على الفرد من عائله، وذلك طوال أحد طوري تغذيته (الكامل أو غير الكامل) أو كليهما".
وبناء على التعريف السابق لظاهرة التطفل، فإن بعض العلماء يروا بأن الحشرات الطفيلية، هي في الحقيقة، طفيليات غير راقية، ولذا يجب الإشارة إليها بشبيهة الطفيليات Parasitoids. وهنا يعرف شبيه الطفيل بالمفترس، ويكتمل نمو هذا الاخير بالتغذية على فرد واحد من العائل الذي يقترب منه حجماً، ثم يحيا حياة حرة في مرحلة البلوغ (الحشرة الكاملة). وقد إستند هذا التعريف على أنه في المراحل المتأخرة من التطفل، تقضي الحشرات الطفيلية، غالباً، على عوائلها بنهش أحشاء العائل والتغذية عليها. ولكن كما جري العرف فإننا نطلق على هذه الحشرات الطفيليات Parasites .
وجدير بالذكر بأن الحشرات الطفيلية والمفترسة تعتبر من أهم عناصر المكافحة الحيوية للآفات الحشرية. ولقد كان العرب في الجاهلية أول من استخدم المكافحة الحيوية عندما نقلوا أعشاش نوع من النمل المفترس الذي يعيش في الصحراء وأطلقوه على النمل العادي الذي يصيب نخيل التمر.
وفي عام 1888م كانت أول محاولة في العصر الحديث لإستخدام هذا النوع من المكافحة، وذلك عندما إستوردت الولايات المتحدة الأمريكية حشرة الفيداليا (مفترس من نوع أبي العيد) من أستراليا لمكافحة البق الدقيقي الأسترالي الذي هاجم أشجار الموالح بولاية كاليفورنيا. ويعتمد استخدام الطفيليات والمفترسات في المكافحة الحيوية على الإتجاهات التالية:
1. المكافحة الحيوية التقليدية Classical Biological Control
وفي هذا الإتجاه يتم استيراد أحد الأعداء الحيوية (طفيل أو مفترس) لآفة ما وإطلاقها في مناطق جديدة يمكن أن تتأقلم بها وتستقر فيها وتنتشر وتتزايد. وبنجاح ذلك فإنه يتم السيطرة على أعداد الآفة نتيجة حدوث توازن طبيعي بين الآفة والعدو الحيوي، حيث تتناقص أعداد الآفة وتهبط إلى مستويات أقل مما كانت عليه إلى أن تصل لمستوى أقل من الحد الحرج الإقتصادي.
تتم المكافحة الحيوية التقليدية عادة تتم بواسطة المتخصصين في مجال المكافحة الحيوية، وهنا يلزم متابعة نشاط مثل هذه الأنواع من الطفيليات والمفترسات المستوردة بعد إدخالها لتقييم مدى تأقلمها وانتشارها في البيئة الجديدة.
2. حفظ وزيادة تعداد الأعداء الحيوية Conservation and Augmentation
ويعتمد هذا الإتجاه على تعظيم دور الأعداء الحيوية المحلية من طفيليات ومفترسات للتحكم في أعداد الآفة إذا ما حدث تزايد مفاجئ في أعدادها ووصولها إلى مستويات الضرر. وتتم عملية حفظ الأعداء الحيوية Conservation عن طريق استخدام المبيدات الحشرية المتخصصة وباستخدام جرعات منخفضة التركيز من المبيد الحشري لمكافحة الآفة المستهدفة، أو بمعاملة مناطق محددة من المزرعة بالمبيد الحشري حيث يمكن ترك مساحات على شكل شرائط بدون معاملة ليبدأ منها انتشار الأعداء الحيوية. كما أن اختيار التوقيت المناسب لإستعمال المبيد يمكن أن يحقق تأثيراً اختيارياً على الآفة دون التعرض لأعدائها الحيوية.
أما زيادة تعداد الأعداء الحيوية Augmentation فيتم بتوفير أماكن اختباء وحماية للأعداء الحيوية، مثل تجهيز أماكن اختباء لها عند حواف الحقول أو على الأشجار. كما يمكن باستخدام أغذية كيميائية متخصصة زيادة فاعلية الأعداء الحيوية، وأيضاً يمكن بإضافة أغذية بديلة إلى البيئة حفظ وجذب الأعداء الحيوية عندما ينخفض تعداد عوائلها.
3. إطلاق الأعداء الحيوية Inundative and Inoculative Releases
تتم عملية التوطين الدوري للأعداء الطبيعية بهدف إخماد بيولوجية الآفة بطريقتين: إما عن طريق تربية الأعداء الحيوية بأعداد كبيرة ثم إطلاقها، بحيث يتم القضاء على الآفة المستهدفة في فترة زمنية قصيرة، وهذا ما يعرف بالإطلاق الكثيف Inundative release . أو عن طريق استمرار تربية الأعداء الحيوية وتكرار مرات إطلاقها في حدود أعداد قليلة نسبياً، وهذا ما يعرف بالإطلاق المحدود العدد Inoculative release .
وعند الإطلاق الكثيف للأعداء الحيوية لمكافحة آفة ما، يعتمد ذلك على استخدام عدد من هذه الكائنات يزيد عما تتطلبه الفعالية المستهدفة، وذلك دون الاعتماد على نسل هذه الأعداء الحيوية للوصول إلى مكافحة سريعة إلى حد ما. ومن ثم يتشابه هذا النمط من المكافحة مع ذلك المرتبط باستعمال المبيدات الكيميائية، حيث أن أفراد الآفة بهذا الإجراء تموت سريعاً إلى حد ما ، دون تفاعل طويل المدى بين جمهورها وجمهور عدوها الحيوي (الطفيل أو المفترس)، وهنا يطلق على الأعداء الحيوية التي استخدمت بطريقة مكثفة مصطلح: Biotic insecticide بمعني "المبيدات البيولوجية".
وتجدر الإشارة هنا إلى أن هناك بعض الصعوبات التي قد تعترض التوسع في استخدام أو استيراد الطفيليات والمفترسات في المكافحة الحيوية، ومن هذه الصعوبات ما يلي:
1. يحتاج تطبيق برامج المكافحة الحيوية إلى خبراء متخصصين وعلى مستوى عال من الكفاءة .
2. تحتاج إلى فترة زمنية طويلة حتي تظهر نتائجها.
3. من الضروري استيراد أكثر من طفيل أو مفترس واحد للآفة في مجال المكافحة، وذلك ضماناً لنجاحها.
4. قد لا تلائم الظروف البيئية المحلية نشاط الطفيل أو المفترس المستورد بقدر ملاءمتها لنشاط الآفة.
5. يعتمد الطفيل أو المفترس على عائل واحد، وبعضها يعتمد على عوائل أخرى بجانب العائل الأصلي وغياب هذه العوائل الأخرى يحدد أو يقلل من نجاح إدخال أو أقلمة الطفيل أو المفترس في البيئة الجديدة.
6. قد يكون الطفيل أو المفترس المستورد عرضة لأن يتطفل عليه أو تفترسه حشرات أخرى موجودة في موطنه الجديد.